التّفسير
هذه الآية تكمل البحث في الآية السابقة وتشتمل على احكام أخرى:
1عند التعامل إذا لم يكن هناك من يكتب لكم عقودكم ،كأن يقع ذلك في سفر ،عندئذ على المدين أن يضع شيئاً عند الدائن باسم الرهن لكي يطمئّن الدائن ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة ) .
قد يبدو من ظاهر الآية لأول وهلة أنّ تشريع «قانون الرهن » يختصّ بالسفر ،ولكن بالنظر إلى الجملة التالية وهي ( ولم تجدوا كاتباً ) يتبيّن أنّ القصد هو بيان نموذج لحاله لا يمكن الوصول فيها إلى كاتب ،وعليه فللطرفين أن يكتفيا بالرهن حتّى في موطنهما .وكذلك وردت الأحاديث عن أهل البيت ( عليهم السلام ) .وفي المصادر الشيعية والسنّيّة أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رهن درعه في المدينة عند شخص غير مسلم واقترض منه مبلغاً من المال{[489]} .
2يجب أن يبقى الرهن عند الدائن حتّى يطمئن ( فرهان مقبوضة ) .
جاء في تفسير العيّاشي أنّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال: «لا رهن إلاَّ مقبوضة »{[490]} .
3جميع هذه الأحكاممن كتابة العقد ،واستشهاد الشهود ،وأخذ الرهنتكون في حالة عدم وجود ثقة تامّة بين الجانبين ،وإلاَّ فلا حاجة إلى كتابة عقد ،وعلى المدين أن يحترم ثقة الدائن به ،فيسدّد دَينه في الوقت المعيّن ،وأن لا ينسى تقوى الله ( فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الذي اؤتمن أمانته وليتّق الله ربّه ) .
4على الذين لهم علم بما للآخرين من حقوق في المعاملات أو في غيرها ،إذا دعوا للإدلاء بشهادتهم أن لا يكتموها ،لأنّ كتمان الشهادة من الذنوب الكبيرة ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبُه ) .
طبيعيّ أنّ الشهادة تجب علينا إذا لم يستطع الآخرون اثبات الحقّ بشهادتهم ،أمّا إذا ثبت الحقّ فيسقط وجوب الإدلاء بالشهادة عن الآخرين ،أي أنّ أداء الشهادة واجب كفائي .
وبما أنّ كتمان الشهادة والإمتناع عن الإدلاء بها يكون من أعمال القلب ،فقد نسب هذا الإثم إلى القلب{[491]} ،فقال: ( فإنه آثم قلبه ) ومرّة أخرى يؤكّد في ختام الآية ضرورة ملاحظة الأمانة وحقوق الآخرين: ( والله بما تعملون عليم ) .