بعد ذلك يبيّن تعالى: ثمّ إنّنا نجمعه جمعاً وئيداً ( ثمّ قبضناه إلينا قبضاً يسيراً ) .
من المعلوم أن الشمس حينما تطلع فإنّ الظلال تزول تدريجياً ،حتى يحين وقت الظهر حيث ينعدم الظل تماماً في بعض المناطق ،لأنّ الشمس آنئذ تستقر تماماً فوق رأس كل موجود ،وفي مناطق أُخرى يصل إلى أقل من طول الشاخص ،ولهذا فالظل لا يظهر ولا يختفي دفعةً واحدةً ،وهذا نفسه حكمة الخالق ،ذلك لأنّ الانتقال من النور إلى الظلمة بشكل فجائي يكون ضاراً بجميع المخلوقات .لكن هذا النظام المتدرج في هذه الحالة الانتقالية له أكبر المنفعة بالنسبة إلى الموجودات ،دون أن يكون له أي ضرر .
التعبير ب «يسيراً » إشارة إلى انقباض الظل التدريجي ،أو إشارة إلى أن نظام النور والظلمة الخاص ،شيء يسير هين بالنسبة إلى قدرة الخالق .وكلمة ( إلينا ) تأكيد على هذه القدرة أيضاً .
على أية حال ،لا شك أن الإنسان كما يحتاج إلى أشعة «النور » في حياته ،فهو كذلك يحتاج إلى «الظل » لتعديل ومنع «النور » أوقات اشتداده ،فكما أنّ أشعة النور المستديمة تربك الحياة ،كذلك فإنّ الظل الدائم الساكن مهلك أيضاً .
في الحالة الأُولى تحترق جميع الموجودات ،وفي الحالة الثّانية تنجمد جميعاً ،ولكن هذا النظام المتناوب من «النور » و«الظل » هو الذي يجعل الحياة ممكنة وسائغة للإِنسان .
لذا فإنّ آيات قرآنية أُخرى تعدُّ وجود الليل والنهار ،الواحد تلو الآخر ،من النعم الإلهية العظيمة ،ففي موضع يقول تعالى: ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء ،أفلا تسمعون ) .ويضيف مباشرة ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ){[2863]} .
و يستنتج من هذا القول أنّ هذا النظام من رحمة الله الذي جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا وتستريحوا فيهما ،ولتستفيدوا في تحصيل المعاش من فضله ،ولعلكم تشكرون ( و من رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ){[2864]} .
ولهذا يعد القرآن «الظل الممدود » إحدى نعم الجنّة ،حيث لا نورَ مُعش مرهق ،ولا ظلمة موحشة .
/خ50