ثمّ تتحدّث الآيات عن معاذير أولئك ،وتشير إلى أنّهمبعد إرسال الرسللم يكفّوا عن الحيل والذرائع الواهية ،واستمروا على طريق الانحراف ،فتقول الآية: ( فلما جاءهم الحقّ من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) .
فلم لم تكن عصا موسى في يده ؟ولم لا تكون يده بيضاء «كيد موسى » ؟ولم لا ينشقّ البحر له كما انشقّ لموسى ؟!ولِمَ لِمَ ...الخ .
فيجيب القرآن على مثل هذه الحجج ،ويقول: ( أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا ) أي موسى وهارون ،تعاونا فيما بينهما ليضلونا عن الطريق ( وقالوا إنا بكلّ كافرون ) .
والتعبير ب «سحران » بدلا عن «ساحران » هو لشدة التأكيد ،لأنّ العرب حين تريد التأكيد على شخص في خصلة ما تقول: هو العدل بعينه ،أو بعينه ،أو السحر وهكذا .
كما يرد هذا الاحتمالأيضاًوهو: إنّ مقصودهم المعجزتين العظيمتين لموسى( عليه السلام ) وهما عصاه ويده البيضاء !
وإذا قيل: ما علاقة هذا الإنكار بمشركي مكّة ،فهذه الأُمور متعلقة بفرعون وقومه السابقين ؟
فالجواب على ذلك واضح ..وهو أن التذرع بالحجج الواهية ليس أمراً جديداً ..فجميعهم من نسيج واحد ،وكلامهم يشبه كلام السابقين تماماً ،وخطهم وطريقتهم ومنهجهم على شاكلة واحدة .
التفسير الواضح للآية ما قلناه آنفاً ،إلاّ أن بعض المفسّرين فسّروا الآية تفسيراً آخر وقالوا: إنّ المقصود بقوله تعالى: ( سحران تظاهرا ) هو «النّبي موسى ونبي الإسلام العظيم محمّد( صلى الله عليه وآله ) » لأنّ مشركي العرب كانوا يقولون: إن كليهما ساحران ...وإنّا بكلّ كافرون .
وقد نقلوا في هذا الصدد حادثة تاريخية ،وهي أنّ أهل مكّة بعثوا جماعة منهم إلى اليهود في بعض أعيادهم ،وسألوهم عن نبي الإسلام «محمّد »( صلى الله عليه وآله ) أهو نبيّ حقّاً ؟!فأجابوا: إنّهم وجدوا مكتوباً عندهم في التوراة «بأوصافه » !.فرجع المبعوثون إلى مشركي مكّة ونقلوا لهم ما جرى بينهم وبين اليهود ،فقالوا: ( سحران تظاهرا وإنّا بكل كافرون ) .
ولكن بملاحظة هاتين النقطتين يبدو هذا التّفسير بعيداً جدّاً:
الأولى: أنّه قلّ أن يرى في التاريخ والرّوايات أن مشركي العرب يتهمون موسى بكونه ساحراً .
الثّانية: كيف يمكن لأحد أنْ يدعي أن موسى ومحمّداً( صلى الله عليه وآله ) ساحران يعين أحدهما الآخر مع وجود فاصلة زمنية بينهما تقدّر بألفي عام .
ترى هل يمكن لساحر قبل آلاف السنين أن يعرف من سيأتي في المستقبل ؟!وماذا سيقول ؟!