فلمّا سمع «إبراهيم » هذا النبأ حزن على لوط النّبي العظيم و( قال إنّ فيها لوطاً ) .
فما عسى أن تكون عاقبته ؟!
إلاّ أنّهم أجابوه على الفور ،( قالوا نحن أعلم بمن فيها ) فلا تحزن عليه ،لأننا لا نحرق «الأخضر واليابس » معاً ،وخطتنا دقيقة ومحسوبة تماماً ...ثمّ أضافوا ( لننجينه وأهله إلاّ امرأته كانت من الغابرين ) .
ويستفاد من هذه الآية جيداً أنّ أسرة واحدة فقط في جميع تلك المدن والقرى كانت مؤمنة وغير مدنّسة ،وقد نجاها الله في ذلك الحين أيضاً ...كما نقرأ مثل ذلك في الآية ( 36 ) من سورة الذاريات: ( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) ومع ذلك فإنّ امرأة لوط كانت خارجة عن جماعة المؤمنين ،فشملها العذاب .
والتعبير ب «الغابرين » جمع «غابر » ومعناه المتخلف عن جماعته الماضين في الطريق ،فالمرأة التي كانت في عائلة النبوّة لا ينبغي لها أن تنفصل عن المؤمنين والمسلمين ...غير أنّ الكفر والشرك وعبادة الأوثانكل ذلكدعاها إلى الإنفصال !.
ويتّضح من هنا أن انحرافها كان من جهة العقيدة ،ولا يبعد أن يكون هذا الانحراف متأثراً بسبب محيطها ...وكانت في بداية الأمر مؤمنة موحدة ،وبهذا فلن يرد أي إشكال على لوط( عليه السلام ) في أنّه لم تزوّج بمثل هذه المرأة ؟!
وإذا كان جماعة من المؤمنين الآخرين قد آمنوا بلوط ،فمن المؤكّد أنّهم كانوا قد هاجروا عن تلك الأرض المدنّسة قبل هذا الحادث ،ما عدا لوطاً وأهله ،فإنّه كان عليه أن يبقى إلى آخر ساعة هناك ،لاحتمال تأثير تبليغه وإنذاره .
هنا ينقدح هذا السؤال: ترى هل كان «إبراهيم » يحتمل أن عذاب الله سيشمل لوطاً ،فأظهر تأثره أمام الملائكة ،غير أنّهم طمأنوه بنجاة لوط ؟!
والجواب الواضح على هذا السؤال ،وهو أن إبراهيم كان يعرف الحقيقة ،وإنّما سأل ليطمئن قلبه ،نظير هذا السؤال ما كان من هذا النّبي العظيم في شأن المعاد وإحياء الموتى ،إذ جسد له الله ذلك في إحياء أربعة من الطير «ليطمئن قلبه » .
إلاّ أنّ المفسّر الكبير العلاّمة الطباطبائي يعتقد أنّ المراد من سؤال إبراهيم هو أن وجود «لوط » بين هؤلاء القوم سيكون دليلا على رفع العذاب عنهم ...ويستعين بالآيات ( 74 )( 76 ) من سورة هود على هذا المقصد ،لأنّ هذه الآيات تبيّن: أنّه( عليه السلام ) كان يريد بقوله: ( إنّ فيها لوطاً ) أن يصرف العذاب بأن فيها لوطاً وإهلاك أهلها يشمله ،فأجابوه بأنهم لا يخفى عليهم ذلك بل معه غيره ممن لا يشملهم العذاب وهم أهله إلاّ امرأته{[3154]} .
لكننا نعتقد أنّ هذا الجواب من الملائكةفي صدد نجاة لوط وأهلهيدلّ بوضوح أن الكلام في هذه الآيات هو على لوط فحسب ،ولكن آيات سورة هود تتحدث عن موضوع منفصل ،وكما قلنا آنفاً فإنّ إبراهيم كان ليطمئن قلبه أكثر «فلاحظوا بدقة » .