والآية الأُخرى تؤكّد على الأصول الأربعة التي سبق ذكرها في الآية المتقدمة ،فتقول: ( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ) أي القرآن .
أجل ...نزل هذا القرآن على أساس توحيد المعبود ،وتوحيد دعوة جميع الأنبياء إلى الحق ،والتسليم دون قيد أو شرط لأمر الله ،والمجادلة بالتي هي أحسن !.
قال بعض المفسّرين: إنّ المراد من جملة ( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ) هو تشبيه نزول القرآن على النّبي محمّد( صلى الله عليه وآله ) أيّ كما أنزلنا كتباً من السماء على الأنبياء الماضين ،فكذلك أنزلنا إليك الكتاب !.
إلاّ أنّ التّفسير السابق يبدو أكثر دقّة ،وإن كان الجمع بين التّفسيرين ممكناً أيضاً .
ثمّ يضيف القرآن الكريم: ( والذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) ويعتقدون بصدقه ..إذ أنّهم وجدوا علائمه في كتبهم ،كما أن محتواه من حيث الأصول العامّة والكلية منسجم مع كتبهم !.
ومن المعلوم أن جميع أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) لم يؤمنوا بنبوّة محمّد( صلى الله عليه وآله ) «نبي الإسلام » فتكون هذه الجملة في خصوص تلك الجماعة المؤمنة منهم ،والتي تبتغي الحق دون تعصب ،فتكون جديرة أن يطلق عليها «أهل الكتاب » .
ويضيف القرآن بعدئذ: ( ومن هؤلاء من يؤمن به ){[3180]} أي أهل مكّة والمشركون العرب .
ثمّ يقول القرآن في كفر الطائفتين من اليهود والنصارى ( وما يجحد بآياتنا إلاّ الكافرون ) .
ومع الالتفات إلى أنّ مفهوم الجحود ،هو أن يعتقد الإنسان بشيء بقلبه وينكره بلسانه ،فإنّ مفهوم الجملة المتقدمة أن الكفار يعترفون في قلوبهم بعظمة هذه الآيات ،ويرون علامات الصدق عليها ،ومنهج النّبي و طريقته وحياته النقية ،وأن أتباعه هم المخلصون ،ويعدّون كل ذلك دليلا على أصالته ،إلاّ أنّهم ينكرون ذلك عناداً وتعصباً ،وتقليداً أعمى لأسلافهم ولآبائهم ،ولحفظ منافعهم الشخصية .
وعلى هذا فإنّ القرآن يحدد مواقف الأُمم المختلفة إزاء هذا الكتاب ويصنفهم إلى قسمين:
فقسمٌ هم أهل الإيمان ،سواءً من علماء اليهود والنصارى ،أو المؤمنين بصدق ،أو المشركين العطاشى إلى الحقّ الذين عرفوا الحق فتعلقت قلوبهم به .
وقسم آخر هم المنكرون المعاندون ،الذين رأوا الحق إلاّ أنّهم أنكروه وأخفوا أنفسهم عنه كالخفاش ،لأنّ ظلمة الكفر كانت جزءاً من نسيج وجودهم ،فهم يستوحشون من نور الإيمان .
وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ هذا القسمأو هذا الطائفةكانوا كفرةً من قبل ،ولكن التأكيد على كفرهم ممكن أيضاً ،وذلك لأنّهم لم تتمّ الحجّة عليهم من قبل ،ولكنّهم بعد أن تمّت عليهم الحجّة ،فقد أصبحوا كافرين كفراً حقيقتاً ،وحادوا بعلمهم واطلاعهم عن الصراط المستقيم ،وخطوا في دروب الضلال !.
/خ49