التّفسير:
لا تتخذوا الأعداء بطانة:
هذه الآية التي جاءت بعد الآيات السابقة التي تعرضت لمسألة العلاقات بين المسلمين والكفّار ،تشير إلى قضايا حساسة بالغة الأهمية ،وتحذر المؤمنينضمن تمثيل لطيفبان لا يتخذوا من الذين يفارقونهم في الدين والمسلك أصدقاء يسرون إليهم ويخبرونهم بأسرارهم ،وأن لا يطلعوا الأجانب على ما تحتفظ به صدورهم وما خفي من نواياهم وأفكارهم الخاصّة بهم ،قال سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة{[646]}من دونكم ...) .
وهذا يعني أن الكفّار لا يصلحون لمواصلة المسلمين ومصادقتهم ،كما لا يصلحون بأن يكونوا أصحاب سر لهم ،وذلك لأنهم لا يتورعون عن الكيد والإيقاع بهم ما استطاعوا: ( لا يألونكم خبالاً ){[647]} .
فليست الصداقات والعلاقات بقادرة على أن تمنع أولئك الكفّاربسبب ما يفارقون به المسلمين في العقيدة والمسلكمن إضمار الشر للمسلمين ،وتمني الشقاء والعناء لهم ( ودوا ما عنتم ) أي أحبوا في ضمائرهم ودخائل نفوسهم لو أصابكم العنت والعناء .
إنهملإخفاء ما يضمرونه تجاهكميحاولون دائماً أن يراقبوا تصرفاتهم ،وأحاديثهم كيلا يظهر ما يبطنونه من شر وبغض لكم ،بيد أن آثار ذلك العداء والبغض تظهر أحياناً في أحاديثهم وكلماتهم ،عندما تقفز منهم كلمة أو أخرى تكشف عن الحقد الدفين والحنق المستكن في صدورهم: ( قد بدت البغضاء من أفواههم ) .
وتلك حقيقة من حقائق النفس يذكرها الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في إحدى كلماته إذ يقول:
«ما أضمر أحد شيئاً إلاَّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه »{[648]} .
إنه لابدّ أن يَرْشَح شيء إلى الخارج إذا ما امتلأ الداخل ،كما يطفح الكيل فتنفضح السرائر ،وتبدو الدخائل .
وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية إحدى سبل التعرف على بواطن الأعداء ودخائل نفوسهم ،ثمّ إنه سبحانه يقول: ( وما تخفي صدورهمأكبر ) أي أن ما يبدو من أفواههم ما هي إلاَّ شرارة تحكي عن تلك النار القوية الكامنة في صدورهم .
ثمّ إنه تعالى يضيف قائلاً: ( قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) أي أن ما ذكرناه من الوسيلة للتعرف على العدو أمر في غاية الأهمية لو كنتم تتدبرون فيه ،فهو يوقفكم على وسيلة جد فعالة لمعرفة ما يكنه الآخرون ويضمرونه تجاهكم ،وهو أمر في غاية الخطورة بالنسبة لأمنكم وحياتكم وبرامجكم .