التّفسير
فئة المعوّقين:
أشارت هذه الآيات إلى وضع فئة أخرى من المنافقين الذين اعتزلوا حرب الأحزاب ،وكانوا يدعون الآخرين أيضاً إلى اعتزال القتال ،فقالت: ( قد يعلم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلا ) .«المعوّقين » من مادّة ( عوق ) على زنة ( شوق ) تعني منع الشيء ومحاولة صرف الآخرين عنه ،و «البأس » في الأصل يعني ( الشدّة ) ،والمراد منه هنا الحرب .
ويحتمل أن تكون الآية أعلاه مشيرة إلى فئتين: فئة من المنافقين الذين كانوا بين صفوف المسلمينوتعبير ( منكم ) شاهد على هذاوكانوا يسعون إلى صرف ضعاف الإيمان من المسلمين عن الحرب ،وهؤلاء هم «المعوّقون » .
والفئة الأخرى هم ( المنافقون أو اليهود ) الذين تنحّوا جانباً ،وعندما كانوا يلتقون بجنود النّبي ( صلى الله عليه وآله ) كانوا يقولون: هلمّ إلينا وتنحّوا عن القتال ،وهؤلاء هم الذين أشارت إليهم الجملة الثّانية .
ويحتمل أن تكون هذه الآية بياناً لحالتين مختلفتين لفئة واحدة ،وهم الذين يعوّقون الناس عن الحرب عندما يكونون بينهم ،وعندما يعتزلونهم يدعون الناس إليهم .
ونقرأ في رواية: أنّ أحد أصحاب النّبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء من ميدان حرب الأحزاب إلى داخل المدينة لحاجة ،فرأى أخاه قد وضع أمامه الخبز واللحم المشوي والشراب ،فقال له: أنت في هذه الحال تلتذّ ورسول الله مشغول بالحرب ،وهو بين الأسنّة والسيوف ؟!فقال أخوه: يا أحمق !ابق معنا وشاركنا مجلسنا ،فوالذي يحلف به محمّد إنّه لن يرجع من هذه المعركة !وسوف لن يدع هذا الجيش العظيم الذي اجتمع عليه محمّداً وأصحابه أحياء !
فقال له الأوّل: أنت تكذب ،واُقسم بالله لأذهبنّ إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره بما قلت ،فجاء إلى النّبي ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره بما جرى ،فنزلت الآية .
وبناءً على سبب النّزول هذا ،فإنّ كلمة ( إخوانهم ) وردت هنا بمعنى الإخوة الحقيقيين ،أو بمعنى أصحاب المذهب والمسلك الواحد ،كما سمّت الآية ( 27 ) سورة الإسراء المبذّرين إخوان الشياطين: ( إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشياطين ) .