التّفسير
العلماء يرون دعوتك إنّها حقّ:
كان الحديث في الآيات السابقة عن عمي البصائر ،المغفّلين الذين أنكروا المعاد مع كلّ تلك الدلائل القاطعة ،وسعوا سعيهم لتكذيب الآيات الإلهية ،وإضلال الآخرين .
وعلى هذا ،فإنّ الآيات مورد البحث ،تتحدّث عن العلماء والمفكّرين الذين صدّقوا بآيات الله وسعوا سعيهم لتشجيع الآخرين على التصديق بها ،يقول تعالى: ( ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) .
فسّر بعض المفسّرين عبارة ( الذين اُوتوا العلم ) ،بتلك المجموعة من علماء أهل الكتاب الذين يتّخذون موقف الخضوع والإقرار للحقّ عند مشاهدة آثار حقّانية القرآن الكريم .
وليس هناك مانع من اعتبار علماء أهل الكتاب أحد مصاديق الآية ،ولكن تحديدها بهم يفتقد إلى الدليل ،بل مع الإلتفات إلى الفعل المضارع ( يرى ) وسعة مفهوم «الذين اُوتوا العلم » يتّضح شمول الآية لكلّ العلماء والمفكّرين في كلّ عصر وزمان ومكان .
وإذا فُسّرت بكونها إشارة إلى «أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام » ،كما في تفسير علي بن إبراهيم ،فإنّ ذلك توضيح وإشارة إلى أتمّ وأكمل مصاديق الآية .
نعم ،فأي عالم موضوعي وغير متعصّب إذا تأمّل في ما ورد في هذا الكتاب السماوي ،وتدبّر في معارفه العميقة ،وأحكامه المتينة ،ونصائحه الحكيمة ،ومواعظه المؤثّرة في الوجدان إلى قصصه التأريخية المشعّة بالعِبرة ،وبحوثه العلمية الإعجازية ،فسيعلم بأنّها جميعاً دليل على حقّانية هذه الآيات .
واليوم ،فإنّ هناك كتباً متنوّعة كتبها مفكّرون غربيون وشرقيون حول الإسلام والقرآن ،تحوي اعترافات ظاهرة على عظمة الإسلام وصدق الآية مورد البحث .
التعبير ب «هو الحقّ » تعبير جامع ينطبق على جميع محتوى القرآن الكريم ،حيث أنّ «الحقّ » هو تلك الواقعة العينية والوجود الخارجي ،أي إنّ محتوى القرآن يتساوق وينسجم مع قوانين الخلق وحقائق الوجود وعالم الإنسانية .
ولكونه كذلك فهو يهدي إلى صراط الله ،الله «العزيز » و «الحميد » أي أنّه تعالى الأهل لكلّ حمد وثناء وفي ذات الوقت فانّ قدرته غاية القدرة والغلبة ،وليس هو كأصحاب القدرة من البشر الذي يتعامل منطلقاً من كونه على عرش القدرة بالدكتاتورية والظلم والتجاوز والتلاعب .
وقد جاء نظير هذا التعبير في الآية الاُولى من سورة «إبراهيم » حيث قال جلّ من قائل: ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم إلى صراط العزيز الحميد ) .
وواضح أنّ من كان مقتدراً وأهلا للحمد والثناء ،ومن هو عالم ومطّلع رحيم وعطوف ،من المحتّم أن يكون طريقه أكثر الطرق إطمئنان وإستقامة .فمن يسلك طريقه إنّما يقترب من منبع القدرة وكلّ الأوصاف الحميدة .