الآية الأخيرة من هذه الآيات ،توضّح هدف هؤلاء المؤمنين الصادقين فتقول: انّهم يعملون الخيرات والصالحات ( ليوفّيهم اُجورهم ويزيدهم من فضله إنّه غفور شكور ){[3609]} .
هذه الجملة في الحقيقة تشير منتهى إخلاصهم ،لأنّهم لا ينظرون إلاّ إلى الأجر الإلهي ،أي شيء يريدونه من الله يطلبونه ،ولا يقصدون به الرياء والتظاهر وتوقّع الثناء من هذا ومن ذاك ،إذ أنّ أهمّ قضيّة في الأعمال الصالحة هي «النيّة الخالصة » .
التعبير ب «اُجور » في الحقيقة لطف من الله ،فكأنّ العباد يطلبون من الله مقابل أعمالهم أجراً !!في حال أنّ كلّ ما يملكه العباد منه تعالى ،حتّى القدرة على إنجاز الأعمال الصالحة أيضاً هو الذي أعطاهم إيّاها .
وألطف من هذا التعبير قوله ( ويزيدهم من فضله ) الذي يبشّرهم بأنّه علاوة على الثواب الذي يكون عادةً على الأعمال والذي يكون مئات أو آلاف الأضعاف المضاعفة للعمل ،فإنّه يزيدهم من فضله ،ويعطيهم من سعة فضله ما لم يخطر على بال ،وما لا يملك أحد في هذه الدنيا القدرة على تصوره .
جاء في حديث عن ابن مسعود عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال في قوله: ( ويزيدهم من فضله ): هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممّن صنع إليه معروفاً في الدنيا{[3610]} .
وبذا فإنّهم ليسوا فقط من أهل النجاة ،بل إنّهم يكونون سبباً في نجاة الآخرين بفضل الله ولطفه .
وقال بعض المفسّرين بأنّ جملة: ( ويزيدهم من فضله ) إشارة إلى مقام «الشهود » الذي يكون للمؤمنين في يوم القيامة بأن يمكّنهم الله من النظر إلى جماله وجلاله والالتذاذ من ذلك بأعظم اللذّات .ولكن يظهر أنّ الجملة المذكورة لها معنى واسع وشامل بحيث يشمل محتوى الحديث المذكور وعطايا ومواهب اُخرى غير معروفة أيضاً .
جملة ( إنّه غفور شكور ) تدلّل على أنّ أوّل لطف الله معهم ،هو «العفو » عن ذنوبهم وزلاّتهم التي تبدر منهم أحياناً ،لأنّ أشدّ قلق المؤمن يكون من هذا الجانب .
وبعد أن يهدأ بالهم من تلك الجهة ،فانّه تعالى يشملهم ب «الشكر » أي انّه يشكر لهم أعمالهم ويعطيهم أفضل الجزاء والثواب .
نقل تفسير «مجمع البيان » مثلا تضربه العرب وهو «أشكر من بروقة » وتزعم العرب أنّهاأي بروقةشجرة عارية من الورق ،تغيم السماء فوقها فتخضر وتورق من غير مطر{[3611]} .وهو مثل يضرب للتعبير عن منتهى الشكر ،ففي قبال أقل الخدمات ،يُقدّم أعظم الثواب .بديهي أنّ خالق مثل هذه الشجرة أشكر منها وأرحم .