والنعمة الخامسة والأخيرة التي منّ الله سبحانه وتعالى بها على سليمان ،هي المراتب المعنوية اللائقة التي شملته ،كما ورد في آخر آية من آيات بحثنا ( وإنّ له عندنا لزلفى وحسن مآب ) .
هذه الآيةفي الحقيقةهي الردّ المناسب على أولئك الذين يدّنسون قدسية أنبياء الله العظام بادّعاءات باطلة وواهية يستقونها من كتاب التوراة الحالي المحرّف ،وبهذا الشكل فإنّها تبرئ ساحته من كلّ تلك الاتهامات الباطلة والمزيّفة ،وتشيد بمرتبته عند البارئ عز وجل ،حتّى أنّ عبارة ( حسن مآب )التي تبشّره بحسن العاقبة والمنزلة الرفيعة عند الله ،هيفي نفس الوقتإشارة إلى زيف الإدّعاءات المحرّفة التي نسبتها كتب التوراة إليه ،والتي تدّعي أنّ سليمان انجرّ في نهاية الأمر إلى عبادة الأصنام إثر زواجه من امرأة تعبد الأصنام ،وعمد إلى بناء معبد للأصنام ،إلاّ أنّ القرآن الكريم ينفي ويدحض كلّ تلك البدع والخرافات .
ملاحظتان
1الحقائق التي تبيّنها لنا قصّة سليمان
من دون أيّ شكّ ،إنّ القرآن الكريم يهدف من ذكر تاريخ الأنبياء إتمام برامج التربية من خلال عكس عين الحقائق في هذه القصص .
ومن جملة الاُمور التي رسمتها قصّة سليمان ،ما يلي:
أ: إنّ إمساكه بزمام اُمور مملكة قويّة ذات إمكانيات ماديّة واقتصادية واسعة وحضارة ساطعة لا تتنافى مع المقامات المعنوية والقيم الإلهية والإنسانية ،كما ذكرت ذلك الآيات المذكورة أعلاه بعد انتهائها من سرد النعم الماديّة التي أجزلها الله على سليمان ،إذ يقول القرآن المجيد: ( وإنّ له عندنا لزلفى وحسن مآب ) .
وفي حديث ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،قال فيه: «أرأيتم ما اُعطي سليمان بن داود من ملكه ؟فإنّ ذلك لم يزده إلاّ تخشعاً ،ما كان يرفع بصره إلى السماء تخشعاً لربّه » !
ب: لإدارة شؤون مملكة كبيرة مترامية الأطراف ،يجب توفّر وسيلة سريعة للاتصال ،كما ينبغي الاستفادة من الطاقات المختلفة ،والحيلولة دون نفوذ القوى المخرّبة ،والاهتمام بالقضايا العمرانية ،والحصول على الأموال عن طريق استخراج الثروات من البرّ والبحر ،ووضع الإمكانات تحت تصرّف الولاة والعمّال المناسبين والجديرين بتسلّم المناصب ،كلّ هذه الاُمور عكستها قصّة سليمان بصورة واضحة .
ج: الاستفادة من القوى البشرية بأقصى حدّ ممكن ،بل ويمكن الاستفادة حتّى من الشياطين ،إذ يمكن توجيهها وإرشادها للطريق الصحيح ،وغلّ وتصفيد المتبقّي منها الذي لا يستفاد منه .
2سليمان في القرآن والتوراة
القرآن المجيد وصف نبي الله سليمان في الآيات المذكورة أعلاه بأنّه إنسان طاهر وصاحب قيم ومدبّر وعادل .
في حين وصفه كتاب التوراة الحالي المحرّف ( والعياذ بالله ) بأنّه رجل فاجر مطيع لهوى نفسه وذو نقاط ضعف كثيرة .والعجيب في الأمر أنّه استعرض إلى جانب هذه الصفات الكاذبة والمزيّفة مناجاة سليمان لربّه وأشعاره الدينيّة وأمثاله وحكمه ،والتي تشهد على أنّه رجل حكيم وحرّ ،وهذا تناقض عجيب يشاهد في كتاب التوراة المحرّف الحالي .
ولمن يريد الإطلاع أكثر بهذا الشأن يمكنه مراجعة تفسير الآيات 12 و13 و14 من سورة سبأ ،والذي جاء تحت عنوان ( صور سليمان في القرآن وكتاب التوراة الحالي المحرّف )