أمّا المكافأتان الثانية والثّالثة اللتان يمنحهما البارئ عز وجل للمصدقين ،فيقول القرآن المجيد بشأنهما: ( ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ){[3818]} .
كم هي عبارة جميلة ولطيفة !فمن جانب يدعون الله سبحانه وتعالى ليكّفر عنهم أسوأ ما عملوا بظلّ لطفه ،ويطهرهم من تلك البقع السوداء بماء التوبة ،ومن جهة أخرى يدعون الله ليجعل أفضل وأحسن أعمالهم معياراً للمكافأة ،وأن يجعل بقية أعمالهم ضمن ذلك العمل .
إنّ ما يتّضح من الآيات الكريمة هو أنّ الله استجاب لدعواهم ،عندما غفر لهم وعفا عن أسوأ أعمالهم ،وجعل أفضل الأعمال معياراً للمكافأة .
من البديهي ،عندما يشمل العفو الإلهي الزلاّت الكبيرة ،فإنّ الزلات الصغيرة أولى بالشمول ،لأنّ الزلات الكبيرة هي التي تقلق الإنسان أكثر من أيّ شيء آخر ،ولهذا السبب فإنّ المؤمنين كثيراً ما يفكرون بها .
وثمة سؤال يطرح نفسه هنا: إذا كانت الآيات السابقة تخص الأنبياء والمؤمنين من أتباعهم ،فكيف اقترف هؤلاء تلك الزلات الكبيرة ؟
الجواب على هذا السؤال يتّضح من خلال الإنتباه إلى أنّه عندما ينسب عمل ما إلى مجموعة ،فهذا لا يعني أنّ الجميع قاموا بذلك العمل ،وإنّما يكفي أن تقوم به مجموعة صغيرة منهم ،فمثلا عندما نقول: إن بني العباس خلفوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )من دون أيّ حق ،فإنّ هذا لا يعني أنّ الكل اعتلوا كرسي الخلافة ،وإنّما مجموعة منهم .
الآية المذكورة أعلاه تبيّن أنّ مجموعة من حملة الرسالة وأتباع نهجهم كانوا قد ارتكبوا بعض الأخطاء والزلاّت ،وأنّ البارئ عز وجل صفح عنهم وغفر لهم بسبب أعمالهم الصالحة والحسنة .على أيّة حال فإنّ ذكر الغفران والصفح قبل ذكر الثواب ،يعود إلى هذا السبب ،وهو أنّ عليهم في البداية أن يغتسلوا ويتطهروا ،ومن ثمّ الورود الى مقام القرب الإلهي .يجب عليهم في البداية أن يريحوا أنفسهم من العذاب الإلهي كي يتلذذوا بنعم الجنّة .