سبب النّزول
نقل الكثير من المفسرين عن جابر بن عبد الله الأنصاري قوله بأنّه كان يعاني من مرض شديد ،فعاده النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتوضأ عنده ورشّ عليه من ماء وضوئه( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،فذكر جابروهو يفكر في الموتللنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأنّ ورثته هن أخواته فقط ،واستفسر من النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كيفية تقسيم الإِرث بينهنّ ،فنزلت هذه الآية والتي تسمّىأيضاًب «آية الفرائض » وبيّنت طريقة تقسيم الإِرث بينهنّ ( وقد وردت الرّواية المذكورة أعلاه بفارق طفيف في تفاسير «مجمع البيان » و«التبيان »و«المنار » و«الدر المنثور » وغيرها من التفاسير ...) .
ويعتقد البعض أن هذه الآية هي آخر آية من آيات الأحكام نزولا على النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ){[947]} .
التّفسير
تبيّن الآية الواردة أعلاه كمية الإِرث للأُخوة والأخوات ،وقد بيّنا في أوائل سورة النساءفي تفسير الآية الثانية عشر منهاإِنّ القرآن اشتمل على آيتين توضحان مسألة الإِرث للأخوة والأخوات وإِن إِحدى هاتين الآيتين هي الآية الثانية عشرة من سورة النساء ،والثانية هي الآية الأخيرة موضوع بحثنا هذا وهي آخر آية من سورة النساء .
وعلى الرغم ممّا ورد من اختلاف في الآيتين فيما يخص مقدار الإِرث ،إِلاّ أنّ كل آية من هاتين الآيتين تتناول نوعاً من الأخوة والأخوات كما أوضحنا في بداية السورة .
فالآية الأُولى تخصُّ الأُخوة والأخوات غير الأشقاء ،أي الذين هم من أُمّ واحدة وآباء متعددين .
أمّا الآية الثانية أي الأخيرة ،فهي تتناول الإِرث بالنسبة للأخوة الأشقاء ،أي الذين هم من أُمّ واحدة وأب واحد ،أو من أُمهات متعددات وأب واحد .
والدليل على قولنا هذا ،أن من ينتسب إِلى شخص المتوفى بالواسطة يتعين إِرثه بمقدار ما يرثه الواسطة من شخص المتوفى .
فالأُخوة والأخوات غير الأشقاءأي الذين هم من أُمّ واحدة وآباء متعددينيرثون بمقدار حصّة أُمّهم من الإِرث والتي هي الثلث .
أمّا الأخوة والأخوات الأشقاءأي الذين هم من أُمّ واحدة وأب واحد ،أو من أب واحد وأُمهات متعدداتفهم يرثون بمقدار حصّة والدهم من الإِرث التي هي الثلثان .
ولمّا كانت الآية الثانية عشرة من سورة النساء تتحدث عن حصّة الثلث من الإرث للأخوة والأخوات ،وتتناول الآية الأخيرة حصّة الثلثين ،لذلك يتّضح أنّ الآية السابقة تخص الأخوة والأخوات غير الأشقاء الذين يرتبطون بشخص المتوفى عن طريق أُمهم ،وأنّ الآية الأخيرة تخصّ الأخوة والأخوات الأشقاء الذين يرتبطون بشخص المتوفى عن طريق الأب أو عن طريق الأب والأُمّ معاً .
والروايات الواردة عن الأئمّة( عليهم السلام ) في هذا المجال تؤكّد هذه الحقيقة أيضاً .
وعلى أي حال فإِن كانت حصّة الأخ أو الأخت هي الثلث أو الثلثان ،فإِنّ الباقي من الإِرث يوزع بناء على القانون الإِسلامي بين الباقين من الورثة ،وهكذا وبعد أن توضح لنا عدم وجود أي تناقض بين الآيتين ،نتطرق الآن إِلى تفسير الأحكام الواردة في الآية الأخيرة .
وتجدر الإِشارة هنا إِلى أنّ الآية جاءت لتفصل إِرث الكلالة أي إِرث الأخوة والأخوات{[948]} فتقول الآية: ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ...) أي يسألونك فخبرهم بأنّ الله هو الذي يعين حكم «الكلالة » ( أي الأخوة والأخوات ) .
بعد ذلك تشير الآية إِلى عدد من الأحكام ،وهي:
1إِذا مات رجل ولم يكن له ولد وكانت له أخت واحدة ،فإِنّ هذه الأُخت ترث نصف ميراثه تقول الآية الكريمة: ( إن امرؤُا هلك ليس له ولد وله أُخت فلها نصف ما ترك ...) .
2وإِذا ماتت امرأة ولم يكن لها ولد ،وكان لها أخ واحدشقيق من أبيها وحده أو من أبيها وأُمها معاًفإِنّ أخاها الوحيد يرثها ،تقول الآية: ( وهو يرثها إِن لم يكن لها ولد ...) .
3وإِذا مات شخص وكانت له أختان فقط ،فإِنّهما ترثان ثلثي ما تركه من الميراث ،تقول الآية الكريمة: ( فإِن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ...) .
4وإِذا كان ورثة الشخص المتوفى عدداً من الأُخوة والأخوات أكثر من اثنين ،فإِن ميراثه يقسم جميعه بينهم ،بحيث تكون حصّة الأخ من الميراث ضعف حصّة الأُخت الواحدة منه .تقول الآية الكريمة: ( وإِن كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأُنثيين ...) .
وفي الختام تؤكد الآية أنّ الله يبيّن للناس هذه الحقائق لكي يصونهم من الإِنحراف والضلالة ،ويدلهم على طريق الصواب والسعادة ( وحقيق أن يكون الطريق الذي يرسمه الله للناس ويهديهم إِليه هو الطريق الصحيح ) والله هو العالم العارف بكل شيء ،وفي هذا المجال تقول الآية الكريمة: ( يبيّن الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم ){[949]} .
والجدير بالذكر هنا أنّ الآيةموضوع البحثإِنّما تبيّن إِرث الأخوة والأخوات في حالة عدم وجود ولد الشخص المتوفى ،ولم تتطرق الآية إِلى وجود الأب والأم للشخص المتوفى ،ولكن بناء على الآيات الواردة في بداية سورة النساءفإِن الأب والأُمّ يأتون في مصاف الأبناء في الطبقة الأُولى من الوارثين ،ولذلك يتوضح أن المقصود من الآية الأخيرة هي حالة عدم وجود أبناء وعدم وجود أبوين للشخص المتوفى .
انتهى تفسير سورة النساء