أرسله تعالى: ( إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذّاب ) .
لقد ذكر المفسرون عدّة تفاسير في الفرق بين «الآيات » و «السلطان المبين » فالبعض اعتبر «الآيات » الأدلة الواضحة ،بينما «السلطان المبين » هي المعجزات .
والبعض الآخر اعتبر «الآيات » آيات التوراة ،بينما «السلطان المبين » المعجزات .
واحتمل البعض الثّالث أنّ «الآيات » تشمل كلّ معاجز موسى( عليه السلام ) ،أمّا «السلطان المبين » فهو المعاجز الكبيرة كالعصا واليد البيضاء ،التي تسببت في غلبته الواضحة على فرعون .
ومنهم من اعتبر «الآيات » المعجزات ،بينما فسّرَ «السلطان المبين » بالسلطة القاهرة والنفوذ الإلهي لموسى( عليه السلام ) والذي كان سبباً في عدم قتله وعدم فشل دعوته .
لكن الملاحظ أنّ هذه الآراء بمجموعها لا تقوم على أدلة قوية واضحة ،ولكن نستفيد من الآيات القرآنية الأُخرى أنّ «السلطان المبين » يعنيفي العادة الدليل الواضح القوي الذي يؤدي إلى السلطة الواضحة ،كما نرى ذلك واضحاً في الآية ( 21 ) من سورة «النمل » أثناء الحديث عن قصة سليمان( عليه السلام ) والهدهد حيث يقول تعالى على لسان سليمان: ( وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ،لأعذبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتيني بسلطان مبين ) فالسلطان المبين هنا هو الدليل الواضح للغيبة .
وفي الآية ( 15 ) من سورة الكهف قوله تعالى: ( لولا يأتون عليه بسلطان بيّن ) .
أمّا «الآيات » فقد وردت في القرآن مراراً بمعنى المعاجز .
وبناء على هذا فإنّ «آيات » في الآية التي نحن بصددها تشير إلى «معجزات موسى » بينما يشير «سلطان مبين » إلى منطق موسى ( عليه السلام ) القوي وأدلته القاطعة في مقابل الفراعنة .
إنّ موسى( عليه السلام ) كان يزاوج بين منطق العقل ،وبين الأعمال الإعجازية التي تعتبر علامة كافية على ارتباطه بعالم الغيب وبالله تعالى ،ولكن في المقابل لم يكن للفراعنة من منطق سوى اتهامه بالسحر أو الكذب .لقد اتهموه بالسحر في مقابل الآيات والمعجزات التي أظهرها ،وكذّبوه مقابل منطقه واستدلاله العقلاني على الأمور .وهذا ما يؤيد الرأي الذي اخترناه في تفسير «آيات » و «سلطان مبين » .
وبالنسبة للطواغيت والفراعنة لا يملكون أصلا سوى منطق الاتهام ،وأُسلوب إطلاق الشبهات على رجال الحق ودعاته .
والذي يلفت النظر في الآية الكريمة إشارتها إلى ثلاثة أسماء ،كلّ واحد منها يرمز لشيء معين في سياق الحالة السائدة آنذاك ،والتي يمكن أن تجد مماثلاتها في أي عصر .
«فرعون » نموذج للطغاة والعصاة وحكّام الظلم والجور .
«هامان » رمز للشيطنة والخطط الشيطانية .
«قارون » نموذج للأثرياء البغاة ،والمستغلين الذين لا يهمهم أي شيء في سبيل الحفاظ على ثرواتهم وزيادتها .
وبذلك كانت دعوة موسى( عليه السلام ) تستهدف القضاء على الحاكم الظالم ،والمخططات الشيطانية لرموز السياسة في حاشية السلطان الظالم ،وبتر تجاوزات الأثرياء المتستكبرين ،وبناء مجتمع جديد يقوم على قواعد العدالة الكاملة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية .ولكن من وقعت مصالحهُ اللامشروعة في خطر !قصدوا لمقاومة هذه الدعوة الإلهية .