وهنا يجيب القرآن على هذا القول بقوله: ( ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته ) .
ثم يضيفون: يا للعجب قرآن أعجمي من رسول عربي ؟: ( أأعجمي وعربي ) .
أو يقولون: كتاب أعجمي لأُمّة تنطق بالعربية ؟!
والآن وبالرغم من نزوله بلسان عربي ،والجميع يدرك معانيه بوضوح ويفهم عمق دعوة القرآن ،إلاّ أنّهم ومع ذلك نراهم يصرخون: ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) .
إنّ الآية تتحدث في الواقع عن المرض الكامن في نفوس هؤلاء وعجزهم عن مواكبة الهدى والنور الذي أنزل عليهم من ربّهم ،فإذا جاءهم بلسانهم العربي قالوا: هو السحر والأسطورة ،وإذا جاءهم بلسان أعجمي فإنّهم سيعتبرونه غير مفهوم ،وإذا جاءهم مزيجاً من الألفاظ العربية والأعجمية عندها سيقولون بأنّه غير موزون{[4047]} !!
وينبغي الانتباه هنا إلى أنّ كلمة ( أعجمي ) من «عجمة » على وزن «لقمة » وتعني عدم الفصاحة والإبهام في الكلام ،وتطلق «عجم » على غير العرب لأن العرب لا يفهمون كلامهم بوضوح ،وتطلق «أعجم » على من لا يجيد الحديث والكلام سواء كان عربياً أو غير عربي .
بناءاً على هذا فإنّ ( أعجمي ) هي ( أعجم ) منسوبة بالياء .
ثم يخاطب القرآن الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالقول: ( قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء ) .
أمّا لغيرهم: ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أيّ «ثقل » ولذلكلا يدركونه .
ثم إنّه: ( وهو عليهم عمى ){[4048]} .أيّ أنّهم لا يرونه بسبب عماهم ،فهؤلاء كالأشخاص الذين ينادون من بعيد: ( أُولئك ينادون من مكان بعيد ) .
ومن الواضح أنّ مثل هؤلاء الأشخاص لا يسمعون ولا يبصرون .فلأجل العثور على الطريق والوصول إلى الهدف لا يكفي وجود النور وحده ،فيجب أن تكون هناك عين تبصر ،كذلك يقال في مسألة التعلّم ،حيثُ لا يكفي وجود المبلّغ والداعية الفصيح ،بل ينبغي أن تكون هناك أذن تسمع وتعي ،فلا شك في بركة المطر وتأثيره في نمو النباتات .ولكن المسألة في الأرض .طيبة أم خبيثة !!
فالذين يتعاملون مع القرآن بروح تبحث عن الحقيقة سيهتدون وستشفى نفوسهم وصدورهم به ،حيث يعالج القرآن الكريم الأمراض الأخلاقية والروحية ،ثم يشدّون الرحال للسفر نحو الآفاق العالية في ظل نور القرآن وهداه .
أمّا ماذا يستفيد المعاندون والمتعصبون وأعداء الحق والحقيقة وأعداء الأنبياء والرسل من كتاب الله تعالى ،فهم في الواقع مثلهم مثل الأعمى والأصم ومن ينادى من مكان بعيد ،فهل تراه يسمع النداء أو يستجيب لهداه ،إنّهم كمن أصيب بالعمى والصمم المضاعف ،وهو بعد ذلك في مكان بعيد !!
ونقل بعض المفسّرين أنّ أهل اللغة يقولون لمن يفهم: أنت تسمع من قريب .
ويقولون لمن لا يفهم: أنت تنادى من بعيد{[4049]} .
«وثمّة شرح مفصل حول شفاء القرآن ومعالجته لآلام الإنسان الروحية ،يمكن مراجعة ذيل الآية ( 82 ) من سورة الإسراء .»
/خ46