واستمرارا لهذا القسم من النعم الإلهيّة يشير سبحانه إلى موضوع ( السفن ) التي هي في الحقيقة أكبر وأهمّ وسيلة لنقل البشر وحمل الأمتعة في الماضي والحاضر ،حيث يقول سبحانه: ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) .
«جوار »: جمع جارية ،وهي وصف للسفن ،وحذفت للاختصار لأنّ التركيز الأكثر كان على سير وحركة السفن ،لذا اعتمد هذا الوصف .
كما تطلق جارية على ( الأمة ) ،وذلك بسبب حركتها وسعيها في إنجاز الأعمال والخدمات ،وتطلق أيضاً على الفتيات الشابّات وذلك لجريان النشاط فيهنّ .
«منشآت » جمع ( منشأ ) وهو اسم مفعول من ( إنشاء ) بمعنى إيجاد ،والظريف هنا أنّه في الوقت الذي يعبّر عن «منشآت » والتي تحكي أنّها مصنوعة بواسطة الإنسان ،يقول سبحانه ( وله ) أي لله تعالى وهو إشارة إلى أنّ جميع الخواص التي يستفاد منها في صناعة السفن ،والتي منحها الله للبشر المخترعين لهذه الصناعة هي لله ،وكذلك فانّه هو الذي أعطى خاصية السيولة لمياه البحر والقوّة للرياح ،وأنّ الله تعالى هو الذي أوجد هذه الخواص في المواد المتعلّقة بالسفينة ،وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بالتسخير أيضاً ،حيث يقول سبحانه: ( وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ){[4919]} .
وفسّر البعض «منشأ » من مادّة ( إنشاء ) بمعنى ارتفاع الشيء ،واعتبروها إشارة إلى أشرعة السفن التي تستخدم كقوّة في حركة السفينة ،وذلك بسبب دفع الرياح لها .
«أعلام »: جمع ( علم ) على وزن ( قلم ) ،بمعنى ( جبل ) بالرغم من أنّها في الأصل بمعنى ( علامة وأثر ) والذي يخبر عن شيء معيّن ،ولأنّ الجبال تكون واضحة من بُعد فإنّه يعبّر عنها ب ( العلم ) كما أنّ لفظة ( عَلَمَ ) تطلق أيضاً على «الراية » .
وبهذا فإنّ القرآن الكريم نوّه هنا بالسفن الكبيرة التي تتحرّك على سطح المحيطات والبحار ،وعلى خلاف ما يتصوّره البعض فانّ السفن الكبيرة لا تختّص بعصر الماكنة والبخار ،بل لقد استفاد اليونانيون وغيرهم من السفن الكبيرة في نقل قواتهم وجيوشهم .
/خ25