يا له من زلزال عظيم وشديد إلى حدّ أنّ الجبال فيه تندكّ وتتلاشى ،قال تعالى: ( وبسّت الجبال بسّاً فكانت هباءً منبثّاً ) .
( رُجّت ) من مادّة ( رجّ ) على وزن ( حجّ ) بمعنى التحرّك الشديد للشيء وتقال رجرجة للاضطراب .
«بُسّت » من مادّة ( بسّ ) على وزن ( حجّ ) .والأصل بمعنى تليّين الطحين وتعجنه بواسطة الماء .
«هباءً » بمعنى غبار ،و «منبث » بمعنى منتشر .قال البعض: إنّ «هباءً » هو ذرّات الغبار الصغيرة المعلّقة بالفضاء ولا ترى في الحالة الاعتيادية ،إلاّ إذا دخل نور الشمس من نافذة إلى مكان مظلم .
والآن يجب التفكير بهذه الزلزلة والانفجار ،كم هو عظيم بحيث تتلاشى الجبال مع ما لها من القوّة والصلابة بحيث تتحوّل إلى غبار منتشر ،والأعظم هو شدّة الصوت الذي ينتج من هذا الانفجار الرهيب .
وعلى كلّ حال فقد نلاحظ في الآيات القرآنية تعبيرات مختلفة حول وضع الجبال قبل يوم القيامة ،وتكشف لنا المراحل المتعدّدة للانفجار العظيم الذي يطرأ على الجبال ،حيث يقول عز وجل في هذا الصدد:
( وتسير الجبال سيراً ) الطور / 10 .
( وإذا الجبال نسفت ) المرسلات / 10 .
( فدكّتا دكّة واحدة ) الحاقّة / 14 .
( وكانت الجبال كثيباً مهيلا ) المزمل / 14 أي كالرمل المتراكم .
( فكانت هباءً منثوراً ) الواقعة / 6 الآية محلّ البحث .
وأخيراً ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) القارعة / 2 أي كالصوف المنفوش حيث لا يرى منها إلاّ لونها .
ومن الواضح أن لا أحد يعلم إلاّ الله بحقيقة حصول هذه التغيّرات التي لا تحملها الألفاظ ،ولا تجسّدها العبارات ،اللهمّ إلاّ إشارات معبّرة تحكي عظمة وهول هذا الانفجار العظيم .