وفي آخر آيةمورد البحثيتحدّث سبحانه عن رابع دليل للمعاد حيث يقول: ( ولقد علمتم النشأة الأولى أفلا تذكّرون ) .
هذا الدليل نستطيع بيانه بصورتين:
الأولى: في المثال التالي: إذا كنا نسير في صحراء وشاهدنا قصراً مهيباً عظيماً مثيراً للإعجاب في محتوياته ومواد بنائه وهندسته ،وقيل لنا: إنّ الهدف من هذا القصر هو استعماله كمحطّة للراحة والهدوء لعدّة ساعات فقط لقافلة صغيرة ..فإنّنا سنحكم في أنفسنا بصورة قاطعة على عدم الحكمة في هذا العمل ،إذ من المناسب لمثل الهدف المتقدّم ذكره أن تُعد خيمة صغيرة فقط .
وعلى هذا فإنّ خلق هذه الدنيا العظيمة وما فيها من أجرام سماوية وشمس وقمر وأنواع المخلوقات الأرضية الأخرى ،هل يمكن أن يكون لهدف صغير محدود ،كأن يعيش الإنسان فيها بضعة أيّام ؟كلاّ ليس كذلك ،وإلاّ فانّه يعني أنّ خلق العالم سيكون بدون هدف ،ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المخلوقات العظيمة قد خلقت لموجود شريفمثل الإنسانليعرف الله سبحانه من خلالها ،معرفة تكون رأسماله الوحيد في الدار الآخرة ،فالهدف إذن هو الدار الآخرة ،وهذا دليل آخر على المعاد .
وهذا البيان هو ما نجده في الآية الشريفة: ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا ){[5021]} .
الثانية: هو أنّنا نلاحظ مشاهد المعاد في هذا العالم تتكرّر أمامنا في كلّ سنة وفي كلّ زاوية وكلّ مكان ،حيث مشهد القيامة والحشر في عالم النبات ،فتحيى الأرض الميتة بهطول الأمطار الباعثة للحياة قال تعالى: ( إنّ الذي أحياها لمحيّ الموتى ){[5022]} ،وقد أشير إلى هذا المعنى كذلك في الآية 6 من سورة الحجّ .
/خ62