التّفسير
في ختام الآية السابقة ذكر سبحانه عدم استواء الأعمى بالبصير ،وفي هذه الآية يأمر نبيّه أن ينذر الذين يخشون يوم القيامة ( وانذر به الذين يخافون أن يحشروا إِلى ربّهم ) أي أن هؤلاء لهم هذا القدر من البصيرة بحيث يحتملون وجود حساب وجزاء ،وفي ضوء هذا الاحتمال والخوف من المسؤولية تتولّد فيهم القابلية على التلقّي والقبول .
سبق أن قلنا: إِنّ وجود القائد المؤهل والبرنامج التربوي الشامل لا يكفيان وحدهما لهداية الناس ،بل ينبغي أن يكون لدى هؤلاء الناس الاستعداد لتقبل الدعوة ،تماماً مثل أشعة الشمس التي لا تكفي وحدها لتشخيص معالم الطريق ،بل لابدّ من وجود العين الباصرة أيضاً ،ومثل البذرة السليمة التي لا يمكن أن تنمو بغير وجود الأرض الصالحة للزراعة .
يتّضح من هذا أنّ الضمير في «به » يعود على القرآن ،وهذا يتبيّن من القرائن ،على الرغم من أنّ القرآن لم يذكر في الآيات السابقة صراحة .
كما أنّ المقصود من «يخافون » أي يحتملون وجود الضرر ،إِذ يخطر ببال كل عاقل يستمع إِلى دعوة الأنبياء الإِلهيين ،بأنّ من المحتمل أن تكون دعوة هؤلاء صادقة ،وأنّ الإِعراض عنها يوجب الخسران والضرر ،ويستنتج من ذلك أنّ من الخير له أن يدرس الدعوة ويطلع على الأدلة .
وهذا واحد من شروط الهداية ،وهو ما يطلق عليه علماء العقائد اسم «لزوم دفع الضرر المحتمل » ويعتبرونه دليل وجوب دراسة دعوى من يدعي النّبوة ،ولزوم المطالعة لمعرفة الله .
ثمّ يقول: إِنّ أمثال هؤلاء من ذوي القلوب الواعية يخافون ذلك اليوم الذي ليس فيه غير الله ملجأ ولا شفيع: ( ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ) .
نعم ،أنذر أمثال هؤلاء الناس وادعهم إِلى الله ،إِذ أنّ الأمل في هدايتهم موجود: ( لعلهم يعقلون ) .
بديهي أنّ نفي «الشفاعة » و«الولاية » في هذه الآية عن غير الله لا يتناقض مع شفاعة أولياء الله وولايتهم ،إِذ إِنّنا سبق أن أشرنا إِلى أنّ المقصود هو نفي الشفاعة والولاية بالذات ،أي أنّ هذين الأمرين مختصان ذاتاً بالله ،فإِذا كان لأحد غيره مقام الشفاعة والولاية فبإِذن منه وبأمره ،كما يصرح القرآن بذلك: ( من ذا الذي يشفع عنده إِلاّ بإِذنه ){[1185]} .
للمزيد من التوضيح بشأن الشفاعة عموماً ،اُنظر المجلد الأوّل: ص 198 ،والمجلد الثّاني من هذا التّفسير .