وبما أنّ إحدى عوامل إنكار المعاد الاهتمام بلذّات الدنيا الزائلة والميل إلى الحرية المطلقة للانتفاع بهذه اللذّات ،ويتوجه بالحديث في الآية التالية إلى المجرمين بلحن تهديدي فيقول: كلوا وتمتعوا بالملذات الدنيوية في هذه الأيّام القلائل ،ولكن اعلموا أن العذاب الإلهي ينتظركم ،لأنّكم مجرمون: ( كلوا وتمتعوا قليلاً إنّكم مجرمون ) .
وقد يكون التعبير ب ( قليلاً ) إشارة إلى مدّة عمر الإنسان القصيرة في الدنيا ،وكذا المواهب الدنيوية التافهة مقابل النعم الأُخروية اللامتناهية ،إلاّ أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ هذا الخطاب هو للمجرمين في الآخرة ،ولكن الالتفات إلى أنّ الآخرة ليس فيها متع من مواهب الحياة للمجرمين ليتمتعوا بها ،فينبغي القول بأنّ هذا الخطاب موجّه لهم في الدنيا .
في الحقيقة أنّ المتقين يستضافون في الآخرة بكامل الاحترام والتقدير ،ويخاطبون بهذه الجملة المليئة باللطف والحنان: ( كلوا واشربوا هنيئاً ) وأمّا عبيد الدنيا فإنّهم يخاطبون بجملة تهديدية في هذه الدنيا: ( كلوا وتمتعوا قليلاً ) .
يقول للمتقين: ( بما كنتم تعملون ) ويقول لهؤلاء أيضاً: ( إنّكم مجرمون ){[5694]} .
وعلى كل حال فإنّها تشير إلى أنّ مصدر العذاب الإلهي هو عمل الإنسان وذنبه ،الناشئ من عدم الإيمان أو الأسر في قبضة الشهوات .