وهؤلاء السفراء: ( كِرام بررة ) .
«سفرة »: جمع ( سَافِرْ ) من ( سَفَر ) على وزن ( قمر ) ،ولغةً: بمعنى كشف الغطاء عن الشيء ،ولذا يطلق على الرسول ما بين الأقوام ( السفير ) لأنّه يزيل ويكشف الوحشة فيما بينهم ،ويطلق على الكاتب اسم ( السافر ) ،وعلى الكتاب ( سِفر ) لما يقوم به من كشف موضوع ما وعليه ...فالسفرة هنا ،بمعنى: الملائكة الموكلين بإيصال الوحي الإلهي إلى النّبي ،أو الكاتبين لآياته .
وقيل: هم حفّاظ وقرّاء وكتّاب القرآن والعلماء ،الذين يحافظون على القرآن من أيدي العابثين وتلاعب الشياطين في كلّ عصر ومصر .
ويبدو هذا القول بعيداً ،لأنّ الحديث في الآيات كان يدور حول زمان نزول الوحي على صدر الحبيب المصطفى( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،وليس عن المستقبل .
وما ورد عن الإمام الصادق( عليه السلام ) ،في وقوله: «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة »{[5795]} .بجعل الحافظين للقرآن العاملين به في درجة السفرة الكرام البررة ،فليسوا هم السفرة بل في مصافهم ،لأنّ جلالة مقام حفظهم وعملهم ،يماثل ما يؤديه حملة الوحي الإلهي .
ونستنتج من كلّ ما تقدم: بأنّ مَنْ يسعى في حفظ القرآن وإحياء مفاهيمه وأحكامه ممارسةً ،فله من المقام ما للكرام البررة .
«كرام »: جمع ( كريم ) ،بمعنى العزيز المحترم ،وتشير كلمة «كِرام » في الآية إلى عظمة ملائكة الوحي عند اللّه وعلو منزلتهم .
وقيل: «كرام »: إشارة إلى طهارتهم من كلِّ ذنب ،بدلالة الآيتين ( 26 و 27 ) من سورة الأنبياء: ( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) .
«بررة »: جمع ( بار ) ،من ( البَرِّ ) ،بمعنى التوسع ،ولذا يطلق على الصحراء الواسعة اسم ( البَرْ ) ،كما يطلق على الفرد الصالح اسم ( البار ) لوسعة خير وشمول بركاته على الآخرين .
و«البررة »: في الآية ،بمعنى: إطاعة الأمر الإلهي ،والطهارة من الذنوب .
ومن خلال ما تقدم تتوضح لنا ثلاث صفات للملائكة .
الأولى: إنّهم «سفرة » حاملين وحيه جلّ شأنه .
الثّانية: إنّهم أعزاء ومكرمون .
الثاّلثة: طهرة أعمالهم عن كلّ تقاعس أو مفسدة .