ويفسّر القرآن الكريم «الطارق » بقوله: ( النجم الثاقب ) ،النجم اللامع الذي مع علوّه الشاهق وكأنّه يريد أن يثقب سقف السماء ،وكأنّ نوره المتشعشع يريد أن يثقب ستار الليل الحالك ،فيجلب الأنظار بميزته هذه .
ولكن ،أيُّ نجم هو الطارق ؟هل هو الثريا ( لبعدها الغائر في عمق السماء ) ،زحل ،الزهرة ،أم الشهب ( لما لها من نور جذّاب ) ،أم كل النجوم ؟
ثمّة احتمالات متباينة في هذا الموضوع ،ولكن وجود صفة «الثاقب » لهذا النجم تعطي الإشارة إلى أنّ النجوم المتلألئة التي تثقب أنوارها ظلمة الليل ،وتجذب الأنظار إليها ،هي المرادة وليس كلّ نجم .
وفسّرت بعض الرّوايات «النجم الثاقب » بكوكب ( زحل ) من المنظومة الشمسية لشدّة نوره ولمعانه .
وروي أنّ منجماً سأل الإمام الصادق( عليه السلام ) ،بقوله: فما يعني بالثاقب ؟قال: «لأنّ مطلعه في السماء السابعة ،وأنّه ثقب بضوءه حتى أضاء السماء الدنيا ،فمن ثمّ سمّاه اللّه النجم الثاقب »{[5912]} .
ويعتبر ( زحل ) من أبعد النجوم أو الكواكب في مجموعتنا الشمسية التي يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة ،ويقع في المدار السابع للشمس ،ولذا عبّر عنه الإمام( عليه السلام ) بأنّه في السماء السابعة .
وما لهذا الكوكب من خصائص تؤهله لأن يُقسم به ،فهو أبعد ما يمكن رؤيته من منظومتنا الشمسية ،لذا فالعرب يشبهون كلّ عال به ،ويطلقون عليه أحياناً ( شيخ النجوم ){[5913]} ،وله حلقات رائعة تحيط به ،وله أيضاً ثمانية أقمار ،وتعتبر من حلقاته من أعجب ظواهر السماء .
ومع كلّ ما توصل إليه علماء الفلك بخصوصه ،فثمّة أسرار لم يكشف عنها الستار بعد .
وقيل: إنّ لزحل عشرة أقمار ،يمكن رؤية ثمانية منها بالناظور العادي ( تلسكوب ) ،ولا يمكن رؤية الآخرين إلاّ بالنواظير الكبيرة{[5914]} .
وممّا لا شك فيه ،إنّ هذه الحقائق ما كانت مكتشفة في عصر نزول الآية المباركة ،وتوصل إليها بعد قرون من نزولها .
وعلى أية حال ،فيمكن تفسير: ( النجم الثاقب ) بكوكب زحل ،على اعتبار كونه أحد مصاديقه الواضحة ،ولا ينافي تفسيره بأية نجوم أخرى عالية ووضاءة ،فالتّفسير المصداقي كثير الاستعمال في رواياتنا .
وفي الآية ( 10 ) من سورة الصافات: ( إلاّ من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب ) ،فوصف «الشهاب » بأنّه «ثاقب » يحمل الإشارة لاحتمال أنّ تكون الظاهرة السماوية المذكورة هي ظاهرة «الشهب » ،لتكون أحد تفاسير الآية المبحوثة ،ويؤيد ذلك أيضاً بعض ما ذكر في شأن نزول الآية{[5915]} .