ويستمر في تقريب المراد: ( يخرج من بين الصلب والترائب ) .
«الصلب »: الظهر: و«الترائب »: جمع ( تريبة ) ،وهيعلى ما هو مشهور بين علماء اللغةعظام الصدر العليا وضلوعه .
وكما يقول ابن منظور في لسان العرب: قال أهل اللغة أجمعون: الترائب موضع القلادة من الصدر .
وذكرت معان أخرى للترائب ،منها: إنّها القسم الأمامي للإنسان ( في قبال الصلب ،الذي هو ظهر الإنسان ) ،إنّها اليدان والرجلان والعينان ،إنّها عظام الصدر ،أو ما يلي الترقوتين منه ،وقيل: أربعة أضلاع من يمين الصدر وأربعة من يساره .
وأدناه ،نذكر بعض الآراء الكثيرة للمفسّرين بخصوص المراد من «الصلب والترائب » الواردة في الآية المباركة .
1«الصلب » إشارة إلى الرجال ،و«الترائب » إشارة إلى النساء ،لأنّ في الرجال مظهر الصلابة ،وفي النساء مظهر الرقة واللطافة .
وعليه ،فالآية بصدد ذكر حيمن الرجل وبويضة المرأة ،ومنهما تتشكل نطفة خلق الإنسان .
2«الصلب » إشارة إلى ظهر الرجل ،و«الترائب » إشارة إلى صدره ،فيكون مراد الآية نطفة الرجل التي تقع ما بين ظهره وصدره .
3إرادة ،خروج الجنين من رحم أمه ،لأنّه يكون بين ظهرها والجزء الأمامي لبدنها .
4قيل: إنّ في الآيتين سرّاً من أسرار التنزيل ،ووجهاً من وجوه الأعجاز ،إذ فيهما معرفة حقائق علميّة لم تكن معروفة حينذاك وقد كشف عنها العلم أخيراً .
وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصيّة الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات ،التي حيرت الألباب ،فقد ثبت أن خصيّة الرجل ومبيض المرأة في بداية ظهورهما في الجنين يقعان في مجاورة كلية الجنين ،أي بين وسط الفقرات ( الصلب ) والأضلاع السفلى للصدر ( الترائب ) ثمّ مع نمو الجنين ينتقلان تدريجياً إلى الأسفل ،وبما أن تكون الإنسان يمثل تركيباً من نطفة الرجل والمرأة والمحل الأصلي لجهاز توليد النطفة فيهما هو بين الصلب والترائب ،اختار القرآن لذلك هذا التعبير .وهذا ما لم يكن معروفاً حينذاك .
وبعبارة أخرى: إنّ كلّ من الخصيّة والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلي ويقع بين الصلب والترائب ،أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريباً ومقابل أسفل الضلوع{[5917]} .
ويشكل على هذا التّفسير ب: إنّ القرآن إنّما يقول: ( ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ) ،فهو يمرّ من بينهما حال الخروج ،في حين لا يقول التّفسير المذكور ذلك ،ويشير إلى محل توليده بينهما أثناء النمو الجنيني ،بالإضافة إلى أنّ تفسير «الترائب » بأسفل الضلوع لا يخلو من نقاش .
5مراد الآية ،هو المني ،لأنّه في الحقيقة مأخوذ من جميع أجزاء البدن ،ولذا عندما يقذف إلى الخارج فإنّه يقترن مع انفعال وهيجان البدن كلّه وبعده فتور البدن بأجمعه ،فيكون مقصود «الصلب » و«الترائب » في هذه الحال تمام قسمي بدن الإنسان ،الأمامي والخلفي .
6وقيل أيضاً: إنّ المصدر الأساس لتكوين المني هو النخاع الشوكي الواقع في ظهر الإنسان ،ثمّ القلب والكبد ،فالأوّل يقع تحت أضلاع الصدر ،والآخر بين المكانين المذكورين ،وعلى هذا الأساس قالت الآية: ( من بين الصلب والترائب ) .
ويكفينا الرجوع إلى الآيات المبحوثة لدفع الغموض الحاصل ،فالآيات تشير إلى ماء الرجل دون المرأة ،بقرينة «ماء دافق » ،وهذا لا يصدق إلاّ على الرجل ،وعليه يعود الضمير في «يخرج » .
وعليه ،فينبغي إخراج المرأة من هذه الدائرة ،ليكون البحث منصباً على الرجل فقط ،وهو المشار إليه في الآية .
و«الصلب والترائب » هما ظهر الرجل وقسمه الأمامي ،لأنّ ماء الرجل إنّما يخرج من هاتين المنطقتين{[5918]} .
وهذا التّفسير واضح ،خال من أيّ تكلف ،ينسجم مع ما ورد في كتب اللغة بخصوص المصطلحين .
كما ويمكن أن تكون الآية قد أشارت إلى حقيقة علمية مهمّة لم يتوصل إلى اكتشافها بعد ،وربّما المستقبل سيكشف ما لم يكن بالحسبان .