التّفسير
العقبة !
بعد ذكر النعم الكبيرة في الآيات السابقة ،تنحي هذه الآيات باللائمة على اُولئك الذين يكفرون بهذه النعم ،ولا يسخرونها على طريق النجاة ،يقول سبحانه: ( فلا اقتحم العقبة ){[6004]} وما المقصود من العقبة ؟الآيات التالية تفسّرها:
( وما أدراك ما العقبة ؟فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ) .
من هنا فالعقبة التي لم يتهيأ الكافرون بأنعم اللّه لاجتيازها هي: فك رقبة عبد من الرقبة أي تحريره أو إطعام في يوم الضائقة الاقتصادية والمجاعة ،يتيماً ذا قربى أو فقيراً قد لصق بالتراب من شدّة فقره ،العقبة هي مجموعة أعمال الخير التي تتجه لخدمة النّاس والأخذ بيد الضعفاء والمعوزين ،كما إنّها أيضاً مجموعة من المعتقدات الصحيحة الخالصة تشير إليها الآيات التالية .
نعم ،إن اجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير لما لأغلب النّاس من التصاق بالمال والثروة .
ليس الإسلام والإيمان بالقول والإدعاء ،بل أمام كلّ إنسان مسلم ومؤمن عقبات يجب أن يجتازها الواحدة بعد الأخرى ،مستمداً العون من اللّه سبحانه ومن روح الإيمان والإخلاص .
بعضهم ذهب إلى أنّ «العقبة » هنا تعني أهواء النفس التي حثّ الرّسول الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم )على مقاومتها ومجاهدتها ،ويسمى ذلك «الجهاد الأكبر » ،واستناداً إلى هذا التّفسير يكون فك الرقبة وإطعام المسكين من المصاديق البارزة لاجتياز عقبة هوى النفس .
ومن المفسّرين من قال إنّ «العقبة » هي الصراط الصعب يوم القيامة ،كما جاء في حديث رسول اللّه( صلى الله عليه وآله وسلم ):
«إن أمامكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون ،وأنا أريد أن أخفف عنكم لتلك العقبة »{[6005]} .
وهذا الحديث طبعاً لا يمكن أن يكون تفسيراً للآية ،غير أن بعض المفسّرين فهموا منه ذلك ،وهذا الفهم لا يتناسب مع التّفسير الصريح لكلمة «العقبة » في الآيات التالية ،إلاّ إذا اعتبرنا العقبة الكؤود يوم القيامة تجسيداً للطاعات الثقيلة الصعبة في هذا العالم ،واجتياز تلك العقبات فرع لاجتياز هذه الطاعات «تأمل بدقّة » .
تعبير «اقتحم » في الآية أصله من «الاقتحام » وهو الدخول في عمل صعب مخيف ( مفردات الراغب ) ،أو الولوج والعبور بشدّة ومشقّة ( تفسير الكشّاف ) وهذا يعني أن اجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير ،كما أنّه تأكيد على ما ورد في أوّل السّورة بشأن ما يكابد الإنسان في حياته: ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) .
وعن أمير المؤمنين علي( عليه السلام ) قال: «إنّ الجنّة حفت بالمكاره وإنّ النّار حفت بالشهوات »{[6006]} .