قوله تعالى{وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا}
قال الحافظ ابن حجر: روى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب ،فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم:"لو تنحيت ،قال إنه سيحال بيني وبينها ،فأقبلت فقالت: يا أبا بكر هجاني صاحبك قال: لا ورب هذه البنية ،ما ينطق بالشعر ولا يفوه به ،قالت: إنك لمصدق ،فلما ولت قال أبو بكر: ما رأتك ،قال: ما زال ملك يسترني حتى ولت .
وأخرجه الحميدي وأبو يعلى وابن أبي حاتم من حديث أسماء بنت أبي بكر بنحوه ( فتح الباري8/738 ) .
وهذا حديث أسماء: قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان ،عن الوليد بن كثير ،عن يزيد بن تدرس ،عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: لما نزلت{تبت يدا أبي لهب} .جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة والولولة: البلبلة والدعاء بالويل ،وفي يدها فهر وهي تقول: مذمما أتينا -أو: أبينا ،قال أبو موسى: الشك مني-ودينه قلينا ،وأمره عصينا ،ورسول الله جالس ،وأبو بكر إلى جنبه- أو قال: معه- قال: فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا خائف أن تراك ،فقال: إنها لن تراني ،وقرأ قرآنا اعتصم به منها:"وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ".قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر ،فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم ،فقالت: يا أبا بكر ،بلغني أن صاحبك هجاني ،فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك ،قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أني بنت سيدها أ . ه .
ذكره ابن كثير ،وأخرجه الحاكم من طريق بشر بن موسى الحميدي عن سفيان به ،وصححه ووافقه الذهبي .( المستدرك2/362 ) .
قال الشيخ الشنقيطي: في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير:
الأول: أن المعنى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا أي حائلا وستارا من تفهم القرآن وإدراكه لئلا يفقهون فينتفعوا به وعلى هذا القول -فالحجاب المستور هو ما حجب الله به قلوبهم عن الانتفاع بكتابه والآيات الشاهدة لهذا المعنى كثيرة كقوله:{وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون} وقوله{ختم الله على قلوبهم} الآية وقوله{إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} الآية إلى غير ذلك من الآيات وممن قال بهذا القول في معنى الآية: قتادة والزجاج وغيرهما الوجه الثاني في الآية -أن المراد بالحجاب المستور أن الله يستره عن أعين الكفار فلا يرونه ،أ . ه .ثم استدل بحديث أسماء المتقدم .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى{حجابا مستورا} قال: هي الأكنة .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله:{وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم .