قوله تعالى:{إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم )
أخرج الطبري عن قتادة قوله{إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} وهما شفير الوادي كان نبي الله أعلى الوادي والمشركون أسفله .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله:{والركب أسفل منكم} ،قال: أبو سفيان وأصحابه ،مقبلون من الشأم تجارا ،لم يشعروا بأصحاب بدر ،ولم يشعر محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش ،ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه حتى التقى على ماء بدر من يسقى لهم كلهم .فاقتتلوا ،فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم .
قال ابن كثير: وقوله{ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} قال محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كفر بعد الحجة ،لما رأى من الآية والعبرة ،ويؤمن من آمن على مثل ذلك .وهذا تفسير جيد ،وبسط ذلك أنه تعالى يقول: إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد على غير ميعاد ،لينصركم عليهم ،ويرفع كلمة الحق على الباطل ليصير الأمر ظاهرا ،والحجة قاطعة ،والبراهين ساطعة ،ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة ،فحينئذ{يهلك من هلك} أي يستمر في الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل ،ليقام الحجة عليه ،{ويحيى من حي} أي: يؤمن من آمن ،{عن بينة} أي: حجة وبصيرة .والإيمان هو حياة القلوب ،قال تعالى{أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} .