قوله: ( صراط الذين أنعمت عليهم(صراط بدل من الصراط الأول{[12]} والمراد بالمنعم عليهم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون ،وهو قول أكثر المفسرين ،ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا(وأنعمت من الإنعام وهو إيصال النعمة وهي في الأصل الحالة التي يستطيبها الإنسان ويستلذها ،ونعمة الله وجوهها وضروبها كثيرة لتشمل أوجه الخير واللين والراحة في الدنيا والآخرة ،أما في الدنيا: فنعم الله على الإنسان عظيمة ومستفيضة ،فمنها: قوة العقل وما يتفرع عن ذلك من فطانة وبراعة وذكاء وإدراك .
ومنها: قوة الجسم بما حواه من حواس البصر والسمع والشم والغرائز ،وما يستلزمه ذلك من أوجه الاستمتاع بالطيبات الدنيا .
ومنها سلامة الفطرة من كل ظواهر المرض والشذوذ ليأتي الطبع بذلك سويا مستقيما خاليا من المعضلات النفسية والعصبية والسلوكية ،وفي هذه الحالة من سلامة الفطرة واستواء النفس والبدن لسوف يجد الإنسان في حياته كامل الراحة والاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا .
وأما في الآخرة فإن النعمة فيها لهي كبرى النعم وهي الفوز الأكمل الذي يحظى به الفائزون في يوم الحساب العصيب ،لا جرم أن نعمة الله بالفوز بجنته ورضاه لهي خير النعم ،وهذا ما يرتجيه المؤمنون المخلصون الحريصون لينجوا من عذاب الله يومئذ ويحظون بثوابه وجزائه .
قوله: ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين(غير مجرور على البدل من الضمير في قوله: ( عليهم(وقيل: مجرور على البدل من الذين ،وقيل: مجرور على الوصف للذين ،وهو قول الجمهور .
وقيل: ( غير(منصوب على الحال ،أو بتقدير أعني ،أو على الاستثناء المنقطع ،{[13]} ( ولا الضالين(لا ،زائدة للتوكيد ،وقيل: بمعنى غير ،{[14]} والغضب معناه في اللغة الشدة ،والمراد به هنا في صفة الله العقوبة للمذنبين الخاطئين ،والمراد بالمغضوب عليهم: الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق والصواب وعدلوا عنهما فاستحقوا بذلك الغضب من الله .
والمراد بالضالين: الهائمون في الضلالة ،الشاردون عن دين الله الحق ليسدروا في العمى والتيه .
وجملة القول في الصنفين: أنهم الذين فسدت طبائعهم وضلت أذهانهم عن طريق الله المستقيم فسدروا تائهين جامحين ،وانقلبوا خاسرين منتكسين ،وقيل: المراد بالمغضوب عليهم: المشركون ،والمراد بالضالين ،المنافقون ،وقيل ( المغضوب عليهم(: اليهود ،و ( الضالين(: النصارى ،وهو قول الجمهور .{[15]}