قوله تعالى:{إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذالكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} ما كان ينبغي للمشركين المكذبين أن يعجبوا من إرسال رجل منهم منذرا لهم ومبشرا ؛فالله جلت قدرته رؤوف بعباده ،يريد لهم الخير والهداية والرشاد ،وهو قادر على ذلك ؛بل إنه قادر على كل شيء ؛فهو مالك كل ما حواه الكون من مخاليق وأشياء ،وهو{الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام} واختلفوا في حقيقة المراد بهذه الأيام .فقيل: إن تلك الأيام من أيام الآخرة التي يعدل اليوم الواحد منها ألف سنة مما يعده الناس .وقيل: مقدار ستة أيام من أيام الدنيا .وهو الظاهر ؛لأنه المعروف لنا .
قوله:{ثم استوى على العرش} هذا القول وأمثاله من متشابه القرآن .وللعلماء في تأويله مذاهب شتى ؛فقد قيل: الاستواء بمعنى الاستيلاء .وقيل: الاستواء على العرش كناية عن الملك والسلطان .وذلك بيان لجلال ملك الله ،وعظيم شأنه ،وبالغ قدرته ؛إذ خلق هاتيك الأجرام العظيمة كافة .
قوله:{يدبر الأمر} في محل نصب على الحال .وقيل: في محل رفع خبر ثان إن .وقيل: مستأنف لا محل له من الإعراب{[1936]} .
قوله:{يدبر الأمر}{يدبر} ،من التدبير ومعناه في اللغة: النظر في عاقبة الأمر{[1937]} .
والمراد به هنا: التقدير على أكمل وجه أتمه ؛فالله سبحانه يقضي أمور الكائنات كلها على الوجه الفائق والأكمل حسبما تستدعيه حكمة الله البالغة .
قوله:{ما من شفيع إلا من بعد إذنه} الشفيع من الشفاعة ،ومنها الشفع ،وهو يخالف الوتر{[1938]} ؛فالله وحده أوجد العالم وحده ليس له في ذلك شريك يعنيه أو شفيع له .ولا يجترئ أحد على الشفاعة عنده يوم القيامة إلا بإذنه ،إذا كان الشفيع أهلا للاستشفاع ،وكان المشفوع له ممن يستحق التشفيع .وقيل: كان ذلك ردا على زعم المشركين أن آلهتهم تشفع لهم عند الله .
قوله:{ذالكم الله ربكم فاعبدوه} الإشارة في محل رفع مبتدأ .واسم الجلالة وربكم ،خبران لذلكم .ويجوز أن يكون اسم الجلالة نعتا لاسم الإشارة .و{ربكم} خبر لذلكم .أو اسم الجلالة خبر للإشارة ذلكم .و{ربكم} بدل منه .
والمعنى المقصود: أن الله الموجد المدبر ذو الجلال والكبرياء لهو المستحق أن تعبدوه وحده دون غيره من الشركاء والأنداد .
قوله:{أفلا تذكرون} ذلك تحضيض بالغ على التذكير والتدبر والادكار بما يحمل العقل والقلب على التصديق والاستيقان والإذعان والانصياع لأمر الله وحده{[1939]} .