التّفسير
معرفة الله والمعاد:
بعد أن أشار القرآن الكريم إِلى مسألة الوحي والنّبوة في بداية هذه السورة ،انتقل في حديثه إِلى أصلين أساسيين في تعليمات وتشريعات جميع الأنبياء ،ألا وهما المبدأ والمعاد ،وبيّن هذين الأصلين ضمن عبارات قصيرة في هاتين الآيتين .
فيقول أوّلا: ( إِنّ ربّكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيّام ) .
وكما أشرنا سابقاً ،فإِنّ كلمة ( يوم ) في لغة العرب ،وما يعادلها في سائر اللغات ،تستعمل في كثير من الموارد بمعنى المرحلة ،كما نقول: في يوم ما كان الاستبداد يحكم بلادنا ،أمّا اليوم فهي في ظل الثورة الإسلامية تنعم الحرية ،ويعني أن مرحلة الاستبداد قد انتهت وجاءت مرحلة استقلال الشعب وحريته{[1704]} .
وعلى هذا فإِنّ مفهوم الجملة أعلاه يكون: إِنّ الله سبحانه قد خلق السماء والأرض في ستة مراحل ،ولما كنّا قد تحدثنا عن هذه المراحل الستة سابقاً ،فإِنّنا لا نكرر الكلام هنا{[1705]} .
ثمّ تضيف الآية: ( ثمّ استوى على العرش يدبر الأمر ) .كلمة «العرش » تأتي أحياناً بمعنى السقف ،وأحياناً بمعنى الشيء الذي له سقف ،وتارةً بمعنى الأسرّة المرتفعة ،هذا هو المعنى الأصلي لها ،أمّا معناها المجازي فهو القدرة ،كما نقول: فلان تربع على العرش ،أو تحطمت قوائم عرشه ،أو أنزلوه من العرش ،فكلها كناية عن تسلم القدرة أو فقدانها ،في الوقت الذي يمكن أن لا يكون للعرش أو الكرسي وجود في الواقع أصلا ،ولهذا فإِنّ ( استوى على العرش ) تعني أنّ الله سبحانه قد أمسك بزمام أُمور العالم{[1706]} .
«التدبر » من مادة ( التدبير ) وفي الأصل من ( دبر ) بمعنى الخلف وعاقبة الشيء ،وعلى هذا فإِنّ معنى التدبير هو التحقق من عواقب الأعمال ،وتقييم المنافع ،ثمّ العمل طبق ذلك التقييم .إِذن ،وبعد أن تبيّن أنّ الخالق والموجد هو الله سبحانه ،اتّضح أنّ الأصنام ، هذه الموجودات الميتة والعاجزةلا يمكن أن يكون لها أي تأثير في مصير البشر ،ولهذا قالت الآية في الجملة التالية: ( ما من شفيع إلاّ من بعد إِذنه ){[1707]} .