قوله:{أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم} الهمزة للاستفهام الإنكاري .والمصدر من{أن أوحينا} اسم كان .وخبرها{عجبا}{[1934]} والمراد بالناس: الكافرون من العرب ؛فقد ذكر عن ابن عباس قوله في ذلك: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم ،فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ؛فأنزل الله الآية .
وقوله:{إلى رجل منهم} أي بشر من جنسهم ومن مشاهيرهم يعرفونه حق المعرفة في صدقه وشرفه وعظيم خلقه .والمعنى: أن هؤلاء الكافرين الضالين جعلوا من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أعجوبة يتعجبون منها ويجعلونه لهم موضع استنكار واستسخار .لا جرم أنهم هم موضع الزراية والسفاهة .فهل في بعث رجل كريم من جنسهم ومشاهيرهم لإرشادهم وهدايتهم ما يثير مثل هذا الإنكار والتعجيب لولا أنهم هم الجاهلون والضالون والحمقى ؟!
قوله:{أنا أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}{أن} ،تفسيرية ،أو مصدرية ؛أي إنذار الناس .أي أخبر الناس بما يخوفهم عواقب الإدبار والنكول عن الإيمان .{وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} أطلقت القدم على السبق على سبيل المجاز .والمراد به الشرف والتقدم نحو الرفيع من المنازل .
وقيل: المراد بقدم الصدق: شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم .وقيل: السعادة السابقة للمؤمنين من هذه الأمة في اللوح المحفوظ .
قوله:{قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} لما أنذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وبشرهم بادر المشركون من العرب بالقول{إن هذا لساحر مبين} والإشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؛فهو في زعمهم المريض ووهمهم الباطل ساحر ظاهر ،قد فرق شملهم وجال بين القريب منهم وقريبه .وهذا إشعار بعجز العرب عن مضاهاة القرآن أو معارضته أو اصطناع شيء مثله .فما وجدوا بعد ذلك سبيلا يسلكونه أو ذريعة يستمسكون بها للنيل من القرآن والطعن فيه إلا أن قالوا: إن محمدا لساحر وأن ما جاءهم به سحر .لا جرم أن ذلك دليل أبلج على صدق هذا الكتاب الحكيم .وأنه معجز خارج عن طوق البشر بل إنه منزل من خالق الكائنات والقدر .وما دون ذلك من لغط ليس إلا الهذيان المتلجلج ،والإسفاف التافه المهين الذي ينحدر إليه الضالون المضلون من أعداء الإسلام في كل مكان وزمان{[1935]} .