{قَدَمَ صِدْقٍ}: موقعاً متقدماً .
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} وما هو وجه العجب في ذلك ؟فإذا كان الله قادراً على كل شيء ،فأيّ مشكلةٍ في أن يوحي إلى رجلٍ منهم إذا لم يكن هناك عجبٌ ومشكلةٌ في أصل خلقه للإنسان ؟فإذا كان الوحي غيباً من الغيب ،فإن سرّ الخلق في الإنسان يبقى كذلك حالةً غيبيّةً في علم الله ،ولا يبقى هناك فرق ،إلا في أنّ الوحي شيءٌ لم يألفه الإنسان ،بينما كان الإنسان وجوداً مادّياً مألوفاً في حركة الحياة ،وهذا الفرق لا يخضع لأساس فكري ،في ما يمكن أن تلتقي فيه قاعدة القدرة الإلهية في إخضاع الأشياء كلها لإِرادته في تكوين أوضاعها وحركة خلقها ،فلا مانع من أن يرسل الله إلى الناس رسولاً منهم ،ليحمل رسالته إليهم ،نذيراً أو بشيراً{أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ} بعقاب الله وعذابه ،إذا انحرفوا عن خط السير ،ولم يستجيبوا لنداء الله ،{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمنوا} الذين يستجيبون لنداء الله فيؤمنون بالله ورسالاته ورسوله ،ويعملون في اتجاه ذلك في كل مجالات حياتهم{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} أي موقعاً متقدماً ،وخطوةً سابقة حسنة ،بسبب ما يجزي به العاملين بطاعته على أساس ما صدقوا الله في الفكرة والموقف .
التهمة بالسحر المبين
{قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرٌ مُّبِينٌ} فهذا هو ردّ فعلهم للدعوة التي لم يملكوا أمامها أيّة حجّةٍ للرفض والإنكار ،بل واجهوا الحجة التي تدعم موقف الإيمان وتؤكده ،فكانت الكلمة غير المسؤولة اتهامه بالسحر ،واتهام الرسالة بأنها مظهر سحرٍ في ما تشتمل عليه من خوارق العادة ،ولكن مثل هذه الكلمات لا تمثل موقف قوّة بالرفض ،بل تمثل الضعف الذي لا يرتكز على أساسٍ من فكرٍ ولا يخضع لقاعدةٍ من علمٍ أو حقيقةٍ .