قوله تعالى:{هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون 5 إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون} ذلك تنبيه من الله على عظيم قدرته وبالغ علمه وحكمته ،ويتجلى ذلك فيما بينه الله من الدلائل القاطعة من آثار صنعه في الكون على أنه الخالق المبدع الحق .ومن جملة خلقه وإبداعه أنه جعل الشمس ضياء .و{ضياء} ،إما مفعول ثان على أن الجعل بمعنى التصيير .وإما حال على أنه بمعنى الإنشاء{[1941]} .
والضياء والضوء: ما ينير الأشياء .والضوء أقوى من النور وأسطع ؛فهو الشعاع الصادر عن جرم الشمس بقدرة الله وحكمته .أما النور: فهو الشعاع الصدر عن القمر .والفرق بين الجرمين عظيم وهائل ،وذلك من حيث المساحة والحجم ،ومن حيث النوع والجوهر ؛فجرم الشمس أكبر من جرم الأرض بمليون ونيف من المرات .لكن القمر أصغر من حجر الأرض بكثير .أما من حيث النوع والجوهر ؛فإنه الشمس عبارة عن كتلة هائلة لاهبة من النار تبلغ حرارتها آلاف الدرجات ؛فهي بذلك تشع من لهيبها المضطرم الضياء والحرارة والإشراق .لكن المقر بمثابة العاكس لضياء الشمس ؛إذ يعكسه على الوجه المقابل له من الأرض ليشع فيه النور الساطع ،قوله:{وقدره منازل} أي جعله ذا منازل ،فأول ما يبدوا دقيقا ثم يطرد في الكبر والتزايد حتى يتسق ويصيرا بدرا .وهو كلما ازداد جرمه المنظور ،ازداد نوره المنبعث المنساب نحو الأرض لينشر فيها الإشعاع الساكن المتلألئ .
قوله:{لتعلموا عدد السنين والحساب} أي حساب الأوقات من الشهور والأيام والليالي ؛فإنه بسير القمر تعرف الشهور ،وهي في شريعة الإسلام مبينة على رؤية الأهلية .والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية .
قوله:{ما خلق الله ذالك إلا بالحق} خلق الله هذا النظام الكوني المتسق المطرد الرتيب وفقا للحكمة والصواب وإظهارا لقدرته وعظيم صنعه .
قوله:{يفصل الآيات لقوم يعلمون} أي نبين الحجج والدلائل للمتفكرين أولي العقول النيرة الذين ينتفعون بهذه الدلائل والبينات الواضحات التي تكشف عن حكمة الله البالغة وعظيم صنعه وتقديره .