/م5
لقد أشارت الآية الأُولى التي نبحثها إِلى جوانب من آيات عظمة الله سبحانه في عالم الخلقة فقالت: ( هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً ) .
إِنّ الشمس التي تعم العالم بنورها لا تعطي النور والحرارة للموجودات فحسب ،بل هي العامل الأساس في نمو النباتات وتربية الحيوانات ،و إِذا دقّقنا النظر رأينا أنّ كل حركة على وجه الكرة الأرضية ،حتى حركة الرياح وأمواج البحار وجريان الأنهار والشلالات ،هي من بركات نور الشمس ،وإِذا ما انقطعت هذه الأشعة الحياتية عن كرتنا الأرضية يوماً فإِنّ السكون والظلمة والموت سيخيّم على كل شيء في فاصلة زمنية قصيرة .
والقمر بنوره الجميل هو مصباح ليالينا المظلمة ،ولا تقتصر مهمّته على هداية المسافرين ليلا وإِرشادهم إِلى مقاصدهم ،بل هو بنوره المناسب يبعث الهدوء والنشاط لكل سكان الأرض .
ثمّ أشارت الآية إِلى فائدة أُخرى لوجود القمر فقالت: ( وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) أي إِنّكم لو نظرتم إِلى القمر ،وأنّه في أوّل ليلة هلال رفيع ،ثمّ يكبر حتى يكون بدراً في ليلة النصف من الشهر ،وبعدها يبدأ بالنقصان التدريجي حتى اليوم أو اليومين الأخيرين حيث يغيب في المحاق ،ثمّ يظهر على شكل هلال من جديد ويدور إِلى تلك المنازل السابقة ،لعلمتم أن هذا الاختلاف ليس عبثاً ،بل إِنّه تقويم طبيعي دقيق جدّاً يستطيع الجاهل والعالم قراءته ،ويقرأ فيه تاريخ أعماله وأُمور حياته{[1708]} .
ثمّ تضيف الآية: إِن هذا الخلق والدوران ليس عملا غير هادف ،أو هو من باب اللعب ،بل ( ما خلق الله ذلك إلاّ بالحق ) .
وفي النهاية توكّد الآية: ( يفصل الآيات لقوم يعلمون ) إلاّ أنّ هؤلاء الغافلين وفاقدي البصيرة بالرغم من أنهم يمرون كثيراً على هذه الآيات والدلائل ،إلاّ أنّهم لا يدركون أدنى شيء منها .
/خ6