{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 5 إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ 6}
المفردات:
ضياء: أي: ذات ضياء واشتعال ،والضياء: اسم مصدر من أضياء يضيء ،وجمع ضوء كسياط وسوط ،وحياض وحوض .
والقمر نورا: أي: ذا نور ،في إنارة ،والضوء والنور بمعنى واحد لغة ،والضوء أقوى من النور استعمالا بدليل هذه الآية ،وقيل الضوء لما كان من ذاته كالشمس والنار ،والنور لما كان مكتسبا من غيره .ويدل على ذلك قوله:{وجعل القمر فيهن نورا
وجعل الشمس سراجا} .( نوح: 16 ) .والسراج: نوره من ذاته ،
والضياء ما أضاء لك ،وشعاع الشمس مركب من ألوان النور السبعة التي ترى في قوس السحاب فهو سبعة أضواء ،وقد كشف ترقى العلوم الفلكية عن ذلك ،وكان الناس يجهلونه في عصر التنزيل .
وقدره منازل: أي: قدره ذا منازل .والتقدير: جعل الشيء أو الأشياء على مقادير مخصوصة ،في الذات أو الصفات أو الزمان أو المكان ،كما قال:{وخلق كل شيء فقدره تقديرا} .( الفرقان: 2 ) .وقال:{والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون
القديم} .( يس: 39 ) .والمنازل: واحدها منزل ،وهو مكان النزول ،و هي ثمانية وعشرون منزلا معروفة لدى العرب بأسمائها .
ويبقى من الشهر ليلة: إن كان 29 وليلتان إن كان 30 يوما يحتجب فيها فلا يرى .
التفسير:
5{هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ...} الآية .
خلق الله السماء ،وبسط الأرض ،ودبر نظام الكون ،وجعل الشمس مضيئة نهارا والقمر منيرا ليلا .
{وقدره منازل} .أي: وقدر سير القمر في فلكه منازل ينزل كل ليلة في واحد منها لا يجاوزها لا ويقصر دونها ،وهو ثمانية وعشرون منزلا يرى القمر فيها بالأبصار ،وليلة أو ليلتان يحتجب فيها فلا يرى .
{لتعلموا عدد السنين والحساب} .أي: لتعلموا بما ذكر من صفة النيرين ،وتقدير المنازل حساب الأوقات من الأشهر والأيام ؛لضبط عبادتكم ومعاملتكم المالية والمدنية ،ولولا هذا النظام المشاهد ؛لتعذر العلم بذلك على الأميين من أهل البدو والحضر ؛إذ حساب السنين والشهور الشمسية لا يعلم إلا بالدراسة ،ومن ثم جعل الشارع الحكيم الصوم والحج وعدة الطلاق بالحساب القمري ،الذي يعرفه كل واحد بالمشاهدة .
ولعبادتي الصيام والحج حكمة أخرى وهي دورانهما في جميع الفصول ،فيعبد المسلمون ربهم في جميع الأوقات من حارة باردة ومعتدلة .ii
وقد حث الشارع على الانتفاع بالحساب الشمسي بنحو قوله:{الشمس والقمر بحسبان} .( الرحمان: 5 ) .
وقوله سبحانه:{وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين وكل شيء فصلناه تفصيلا} . ( الإسراء: 12 ) .
{ما خلق الله ذلك إلا بالحق} .ما خلق الله ذلك إلا مقترنا بالحق الذي تقتضيه الحكمة والمنفعة لحياة الخلق ونظام معايشهم فلا عبث ولا خلل«كل هذا النظام ،وكل هذا التناسق لا يكون عبثا ولا باطلا ولا مصادفة عابرة ،بل تنظيم إله حكيم مدبر » . iii
{يفصل الآيات لقوم يعلمون} .يوضح الدلائل من حكم الخلق ،مفصلة منوعة من كونية وعقلية ،لقوم يعلمون وجوه دلالة الدلائل ،والفرق بين الحق والباطل .باستعمال عقولهم في فهم هذه الآيات ،فيجزمون بأن من خلق هذين النيرين وما فيهما من النظام بالحق ،لا يمكن أن يكون خلقه لهذا الإنسان العجيب عبثا ولا أن يتركه سدى ،وفي الآية تنويه بفضل العلم وكون الإسلام دينا علميا لا تقليديا . iv