القول في تأويل قوله تعالى:هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ، (هو الذي جعل الشمس ضياء)، بالنهار ، (والقمر نورًا) بالليل. ومعنى ذلك:هو الذي أضاء الشمسَ وأنار القمر ، (وقدّره منازل) ، يقول:قضاه فسوّاه منازلَ ، لا يجاوزها ولا يقصر دُونها ، على حالٍ واحدةٍ أبدًا. (30)
* * *
وقال:(وقدّره منازل) ، فوحّده، وقد ذكر "الشمس "و "القمر "، فإن في ذلك وجهين:
أحدهما:أن تكون "الهاء "في قوله:(وقدره) للقمر خاصة، لأن بالأهلة يُعرف انقضاءُ الشهور والسنين ، لا بالشمس.
والآخر:أن يكون اكتفي بذكر أحدهما عن الآخر، كما قال في موضع آخر:وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ، [سورة التوبة:62] ، وكما قال الشاعر:(31)
رَمَـانِي بِـأَمْرٍ كُـنْتُ مِنْـهُ وَوَالِـدِي
بَرِيًّـا, وَمِـنْ جُـولِ الطَّـوِيِّ رَمَانِي (32)
* * *
وقوله:(لتعلموا عدد السنين والحساب)، يقول:وقدّر ذلك منازل، (لتعلموا) ، أنتم أيها الناس، ( عدد السنين)، دخول ما يدخل منها، أو انقضاءَ ما يستقبل منها ، وحسابها ،يقول:وحساب أوقات السنين ، وعدد أيامها، وحساب ساعات أيامها ، (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ)، يقول جل ثناؤه:لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما إلا بالحق. يقول الحق تعالى ذكره:خلقت ذلك كله بحقٍّ وحدي، بغير عون ولا شريك ، (يفصل الآيات) يقول:يبين الحجج والأدلة (33)، (لقوم يعلمون) ، إذا تدبروها، حقيقةَ وحدانية الله وصحةَ ما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، من خلع الأنداد ، والبراءة من الأوثان.
---------------------
الهوامش:
(30) انظر تفسير "التقدير "فيما سلف 11:560 .
(31) هو ابن أحمر ، أو:الأزرق بن طرفة بن العمرد الفراصي .
(32) معاني القرآن للفراء 1:458 ، اللسان ( جول ) ، وغيرهما . وكانت بينه وبين رجل حكومة في بئر ، فقال خصمه:"إنه لص ابن لص "، فقال هذا الشعر ، وبعده:
دَعَـانِي لِصًّـا فِي لُصُوصٍ , ومَا دَعَا
بِهَـا وَالِـدِي فِيمَـا مَضَـى رَجُـلاَن
ورواية البيت على الصواب:"ومن أجل الطوى "، و "الطوى ":البئر . و "الجول "و "الجال "ناحية من نواحي البئر إلى أعلاها من أسفلها .
(33) انظر تفسير "التفصيل "فيما سلف:14:152 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
،وتفسير "الآية "فيما سلف من فهارس اللغة (أيي)