قوله:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أي يئسوا من إيمان الكافرين لفرط عنادهم وشدة جحودهم وعتوهم وبعد ما حاق بهم –بالرسل- الضيق والبلاء{وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ}{كذبوا} بالتشديد ؛أي أيقن الرسل أن المشركين المعاندين قد جحدوهم وكذبوا ما جاروهم به من رسالة ودين .وبالتخفيف يكون المعنى: أم الذين أرسل إليهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا أو أخلقوا ،وبعبارة أخرى: ظن قومهم أن رسلهم قد كذبوهم ،عندئذ يجيئهم نصر الله .
وفي تعزيز هذا التأويل روي البخاري عن عروة عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله عز وجل:{حتى إذا استيأس الرسل} قال: قلت: أكذبوا أم كذبوا ؟قالت عائشة: كذبوا –بالتشديد- قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن .قالت: أجل!لعمري!لقد استيقنوا بذلك .فقلت لها:{وظنوا أنهم قد كذبوا} قالت: معاذ الله .لم تكن الرسل تظن ذلك بربها .قلت فما هذه الآية ؟قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأجر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا عند ذلك .
قوله:{جَاءهُمْ نَصْرُنَا} إذا يئس الرسل من إيمان قومهم بهم وظن وقومهم المشركون أن الرسل قد كذبوهم –بالتخفيف- في أنهم ينصرون عليهم ؛حينئذ يجيء الرسل والمؤمنين نصر الله .
قوله:{فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء}{فنجي} ،بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء وهو فعل ماض مبين للمفعول .{من} ،في محل رفع نائب فاعل ؛أي نجي الله رسله والذين آمنوا معهم وأهلك بعذابه المكذبين المستنكفين .قوله:{وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} إذا وقع من الله فإنه لا راد لهذا العذاب عنهم{[2306]} .