( حتّى إذا استيئس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ) .
تشير هذه الآية إلى أدقّ وأصعب لحظة في حياة الأنبياء فنقول: إنّ الأنبياء يواجهون دائماً مقاومة عنيفة من قبل أقوامهم وطواغيت زمانهم حتّى يصل الحال بالأنبياء إلى اليأس إلى حدّ يظنّون أنّ أتباعهم المؤمنين القليلين قد كذبوا عليهم وتركوهم وحدهم في مسيرتهم في الدعوة إلى الحقّ ،وفي هذه الأثناء حيث انقطع أملهم في كلّ شيء أتاهم نصرنا .وفي نهايتها تشير إلى عاقبة المجرمين ( ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) .
فهذه سنّة الله في الذين أصرّوا على أعمالهم وأغلقوا باب الهداية على أنفسهم ،فهم وبعد إتمام الحجّة عليهم ينالهم العذاب الإلهي فلا تستطيع أي قوّة أن تردّه .
في تفسير هذه الجملة من الآية: ( ظنّوا أنّهم قد كذبوا ) ومن المقصود بها ،هناك عدّة آراء للمفسرين:
1إنّ كثيراً من علماء التّفسير يرون ما قلناه سابقاً ،وخلاصته: إنّ عمل الأنبياء يصل إلى درجة يعتقدون فيها أنّ كلّ الناس سوف يكذبوهم ،حتّى تلك المجموعة التي تظهر إيمانها ولكنّها غير راسخة في عقيدتها .
2ويحتمل في تفسير الآية أنّ فاعل «ظنّوا » هم المؤمنون ،وإنّ المشاكل والاضطرابات تصل إلى حدٍّ بأن يسوء ظنّهم بما وعدهم الأنبياء من النصر ويخيل إليهم أنّه خلاف الواقع ؟وليس بعيداً سوء الظنّ هذا من الأفراد الذين آمنوا حديثاً .
3وبعض آخر أعطى تفسيراً ثالثاً للآية ،وخلاصته: إنّ الأنبياءبدونشكّكانوا بشراً ،فحين يُزلزلوا زلزالا شديداً وتبدوا جميع الأبواب أمامهم موصدة ظاهراً ،ولا يُرى في الأفق فرج ،والحوادث المتتالية تعصف بهم ،وصرخات المؤمنين الذين نفذ صبرهم تصل إلى أسماعهم ،نعم في هذه الحالة وبمقتضى الطبع البشري قد يتبادر إلى أذهانهم أنّ الوعد بالنصر بعيد عن الصحّة !أو أنّ النصر الموعود له شروطه التي لم تتحقّق بعد ،ولكن سرعان ما يتغلّبون على هذه الأفكار ويبعدونها عن أذهانهم ويشع في قلوبهم بصيص الأمل ،ومن ثمّ تتّضح لهم بشائر النصر .
وشاهدهم على هذا التّفسير الآية ( 214 ) سورة البقرة: (...حتّى يقول الرّسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ...) .
ولكن مجموعة أُخرى من المفسّرين أمثال العلاّمة «الطبرسي » في مجمع البيان و «الرازي » في تفسيره الكبير ،بعد ما ذكروا هذا الاحتمال قالوا ببطلانه لأنّه حتّى هذا المقدار من التوهّم ليس من مقام الأنبياء ،وعلى أيّة حال فالأصحّ هو التّفسير الأوّل .