وآخر آية من هذه السورة ذات محتوىً شامل وجامع لكلّ الأبحاث التي ذكرناها في هذه السورة ،وهي: ( لقد كان في قصصهم عبرةً لأولي الألباب ) .
فهي مرآة يستطيعون من خلالها أن يروا عوامل النصر والهزيمة ،الهناء والحرمان ،السعادة والشقاء ،العزّ والذلّة ،والخلاصة كلّ ما له قيمة في حياة الإنسان وما ليس له قيمة .وهي مرآة لكلّ تجارب المجتمعات السابقة والرجال العظام .ومرآة نشاهد فيها ذلك العمر القصير للإنسان كيف يطول بمقدار عمر كلّ البشر .ولكن أُولي الألباب وذوي البصائر فقط باستطاعتهم أن يشاهدوا العبر في صفحة المرآة العجيبة هذه: ( ما كان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه ) .
فهذه الآيات التي أنزلناها عليك والتي أزاحت الستار عن التأريخ الصحيح للأمم السابقة ليست من العلم البشري الذي يمكن معرفته عن العلماء ،بل إنّ الكتب السّماوية السابقة تشهد على ذلك وتصدّقه وتؤيّده وبالإضافة إلى ذلك ففي هذه الآيات كلّ ما يحتاجه الإنسان في تأمين سعادته وتكامله: ( وتفصيل كلّ شيء ) .
ولهذا السبب فهي ( وهدىً ورحمة لقوم يؤمنون ) فالظاهر من الآية أعلاه أنّها تُريد أن تشير إلى هذه النقطة المهمّة وهي: إنّ للقصص المصنوعة ذات الإثارة كثيرة في أوساط الاُمم وهي من الأساطير الخيالية ،ولكن لا يتوهّم أحد بأنّ سيرة يوسف أو سير بقيّة الأنبياء التي ذكرها القرآن الكريم من ذلك القبيل .
المهمّ أنّ هذه القصص المثيرة وذات العِبَر هي عين الواقع ولا تحتوي على أدنى انحراف عن الواقع الموضوعي ،ولهذا السبب يكون تأثيرها كبيراً جدّاً ،لأنّنا نعلم أنّ الأساطير مهما تكن شيّقة ومثيرة فإنّ تأثيرها قليل إذا ما قُورنت مع سيرة واقعيّة لأنّ:
1عندما يصل القارئ أو المستمع للقصّة إلى أقصى لحظات الإثارة يتبادر إلى ذهنه فجأة أنّ هذا وهم وخيال ليس أكثر !
2إنّ هذه القصص في الواقع هي من هندسة الإنسان ،فهو يحاول أن يُجسّم أفكاره في سلوك بطل القصّة ،ولذلك فهي ليست أكثر من فكر الإنسان ،وهذه القصّة بالمقارنة مع السير الواقعيّة بينهما فرق شاسع ولا تستطيع القصّة البشرية أن تكون أكثر من موعظة لصاحب المقالة .ولكن التاريخ الواقعي للبشر ليس كذلك ،فهو أكثر ثمراً ونفعاً وأكثر بركة .