/ [ 111]{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 111} .
{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} الضمير ليوسف وإخوته ،أو للأنبياء وأممهم .ورجّح الزمخشري الثاني بقراءة{ قصصهم} بكسر القاف ،جمع قصة .والمفتوح مصدر بمعنى المفعول .وأجيب بأن قصة يوسف وأبيه وإخوته مشتملة على قصص وأخبار مختلفة ،وقد يطلق الجمع على الواحد ،كما مر في{ أضغاث أحلام}{[4977]} .وسنذكر وجوه العبر منها بعونه تعالى .
{ ما كان} أي:القرآن المدلول عليه بما سبق دلالة واضحة{ حديثا يفترى} أي:يختلق .{ ولكن تصديق الذي بين يديه} أي:من الكتب المنزلة ،فهو يصدق ما فيها من الصحيح ،وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير ،ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير .
قال بعض المحققين:المراد به أن قصص القرآن ليست مخترعة ولا مفتراة ،بدليل وجود أمثالها بين الناس ،قبل نزوله .فهي وإن اختلفت قليلا في بعض التفاصيل والجزئيات ،عما يرويه الناس ،إلا أنها توافقها في الجملة ،وتصدقها في الجوهر .فلا تظنوا أيها المشركون أن النبي اخترعها بعقله ،بل اسألوا عنها أهل الكتاب تجدوا أنها معروفة بينهم ،ومروية في كتبهم ،فوجود قصص القرآن عند الناس من قبل ،من أعظم ما يصدقه ويؤيده ،لأن النبي صلوات الله عليه ،لم يطلع على كتب أهل الكتاب .ولا يتوهم من هذه الآية أن قصص القرآن يجب ألا تختلف عن قصص التوراة والإنجيل في شيء ما ! كلا إذ لو صح / هذا لما قال تعالى{[4978]}:{ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} فقصصه قد تختلف عما عندهم ،وتبين لهم حقه من باطله .فلا منافاة بين تصديق القرآن لقصصهم في الجملة ،ومخالفته لها في بعض الجزئياتكما قلناويجوز أن يكون المراد بقوله:{ تصديق الذي بين يديه} تصديق الحق الذي عندهم ،لا كلّ الذي عندهم ،وإلا لدخل في ذلك عقائدهم الفاسدة ،وأوهامهم وخرافاتهم وغيرها ،مما جاء القرآن لإزالته ومحقه ويستحيل أن يكون مصدقا لما جاء لإبطاله .فتنبه لذلك ،ولا تكن من الغافلين .انتهى .
وقوله تعالى:{ وتفصيل كل شيء} أي:تبيان كل ما يحتاج إليه من أحكام الحلال والحرام ،والآداب والأخلاق ،ووجوه العبر والعظات .ولذا كان أعظم ما تنقذ به القلوب من الغيّ إلى الرشاد ،ومن الضلال إلى السداد ،وتبتغي به الرحمة من رب العباد ،كما قال تعالى:{ وهدى} أي:من الضلالة{ ورحمة} أي:من العذاب{ لقوم يؤمنون} أي:يصدقون به ،ويعملون بأوامره ،فإن الإيمان قول وعقد وعمل .وخصهم لأنهم المنتفعون به .