قوله تعالى:{وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ 58 وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ 59 فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ 60 قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ 61 وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} بعد أن عم القحط بلاد مصر ووصل إلى بلاد كنعان حيث يقيم يعقوب عليه السلام وبنوه أخذ الناس من كل مكان يردون مصر طلبا للميرة .وكان يوسف عليه السلام قد احتاط للناس في غلاتهم فجمعها أحسن جمع ،فكان عليه السلام رحمة من الله على مصر بما أوتيه من سعة العقل والعلم ،وجمال السلوك والخلق ،وتمام السمت والمظهر ،وكمال التواضع والأمانة ؛فأحبه الناس حبا عظيما ،وشاع ذكره في الآفاق لحسن خلقه ،وعظيم تدبيره وأمانته وإخلاصه .وكان في جملة من ورد مصر للميرة إخوة يوسف ؛إذ أمرهم أبوهم بذلك .لا جرم أن كل شيء من الله بتقديره وتدبيره .فما تسير الأمور أو تمضي عجلة الزمان إلا بمشيئة الله وحكمته وعظيم تدبيره .
ومن جملة قصة يوسف بدءا بإلقائه في الجب حتى صار في قمة العلياء والكرامة والإعزاز وما تخلل ذلك من كيد وأحزان ودموع وبلاء ،كل ذلك بتقدير الله وحكمته ومشيئته .
أخذ إخوة يوسف معهم بضاعة ليعتاضوا بها طعاما وكانوا عشرة نفر .واستبقى أبوهم يعقوب أخاهم الصغير عنده ،وهو بنيامين شقيق يوسف ،وكان أحبهم إلى أبيه بعد يوسف{فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} أي عرفهم يوسف بنباهته وعظيم فطانته من حيث لا يعرفونه هم .ولا عجب في ذلك فقد فارقهم يوسف وهو طفل في الثانية عشرة على الراجح ،واستمر غيابه عنهم أربعين سنة .وعقب هذه المدة الطويلة تتغير في الشخص ملامحه الظاهرة .فبعد أن يكون أمرد الوجه يصير ذا شعر ولحية ،وبعد سواد الشعر في رأسه ووجهه يصبح بعد هذه السنين ذا كبر وشيبة .لا جرم أن ينكره من غاب عنه مثل هذه المدة الطويلة .