طوى القرآن أخَرة أمر امرأةِ العزيز وحلولَ سني الخصب والادّخار ثم اعتراء سني القحط لقلة جدوى ذلكَ كله في الغرض الذي نزلت السورة لأجله ،وهو إظهار ما يلقاه الأنبياء من ذويهم وكيف تكون لهم عاقبة النصر والحسنى ،ولأنه معلوم حصوله ،ولذلك انتقلت القصة إلى ما فيها من مصير إخوة يوسف عليه السلام في حاجة إلى نعمته ،ومن جمع الله بينه وبين أخيه الذي يحبه ،ثم بينه وبين أبويه ،ثم مظاهر عفوه عن إخوته وصلته رحمهُ ،لأن لذلك كله أثراً في معرفة فضائله .
وكان مجيء إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر للمِيرة عند حلول القحط بأرض مصر وما جاورها من بلاد فلسطين منازل آل يوسف عليه السلام ،وكان مجيئهم في السنة الثانية من سني القحط .وإنما جاء إخوته عدا بنيامين لصغره ،وإنما رحلوا للميرة كلهم لعل ذلك لأن التزويد من الطعام كان بتقدير يراعى فيه عدد الممتارين ،وأيضاً ليكونوا جماعة لا يَطمع فيهم قطاع الطريق ،وكان الذين جاءوا عشرة .وقد عُرف أنهم جاءوا ممتارين من تقدم قوله:{ قال اجعلني على خزائن الأرض}[ يوسف: 55] وقوله الآتي:{ ألا ترون أني أوفي الكيل}[ سورة يوسف: 59] .
ودخولهم عليه يدلّ على أنه كان يراقب أمر بيع الطعام بحضوره ويأذن به في مجلسه خشية إضاعة الأقوات لأن بها حياة الأمة .
وعرف يوسف عليه السلام إخوته بعد مضي سنين على فراقهم لقوة فراسته وزكانة عقله دونهم .
وجملة{ وهم له منكرون} عطف على جملة{ فعرفهم} .ووقع الإخبار عنهم بالجملة الإسمية للدلالة على أن عدم معرفتهم به أمر ثابت متمكن منهم ،وكان الإخبار عن معرفته إياهم بالجملة الفعلية المفيدة للتجدد للدلالة على أن معرفته إياهم حصلت بحدثان رؤيته إياهم دون توسم وتأمل .وقُرن مفعول{ منكرون} الذي هو ضمير يوسف عليه السلام بلام التقوية ولم يقل وهم منكرونه لزيادة تقوية جهلهم بمعرفته .
وتقديم المَجرور بلام التقوية في{ له منكرون} للرعاية على الفاصلة ،وللاهتمام بتعلق نكرتهم إياه للتنبيه على أن ذلك من صنع الله تعالى وإلا فإن شمائل يوسف عليه السلام ليست مما شأنه أن يجهل وينسَى .
والجهاز بفتح الجيم وكسرها ما يحتاج إليه المسافر ،وأوله ما سافر لأجله من الأحمال .والتجهيز: إعطاء الجهاز .