قوله: ( وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ) هذه مناظرة أخرى بين الشيطان الرجيم وأتباعه من الغاوين عقب المناظرة بين التابعين والمتبوعين .ويستفاد من هذه الآية أنه ( لما قضى الأمر ) أي استقر قرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ،يقوم الشيطان خطيبا في جهنم ليقول للخاسرين من الفريقين ،التابعين والمتبوعين كما قال الله عنه: ( إن الله وعدكم وعد الحق ) أي إن الله وعدكم بالبعث والحساب والجزاء فصدقكم وعده
وهاهي النار جزاء الجاحدين والمسيئين والعصاة .أما أنا فقد وعدتكم أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء ( فأخلفتكم ) أي كذبتكم .
قوله: ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) أي ما كان لي أيما حجة أو برهان على صدق ما وعدتكم به كذبا ،إلا أنني أغويتكم فاتبعتموني أنتم طائعين مريدين من غي قسر في ذلك ولا إكراه إلا الوسوسة منا والتزيين ،والاستجابة منكم مختارين .
قوله: ( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) أي لا تلوموني على استجابتكم لي بل لوموا أنفسكم على استجابتكم مختارين غير مكرهين .يقال لهم هذا القول من اللعين الخبيث إبليس زيادة لهم في التيئيس والإحساس بالحسرة وعظيم الندم ولات حين مندم .
قوله: ( ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ) المصرخ ،معناه المغيث ،والمستصرخ: المستغيث{[2390]} ؛أي ما أنا بمغيثكم ولا منقذكم مما أنتم فيه من عذاب النار .وما أنتم بقادرين على إغاثتي أو إنقاذي مما أنا فيه كذلك .فكل الكافرين والطاغين والمجرمين مكبكبون في النار ،سواء فيهم إبليس وجنوده من الجن أو البشر .
قوله: ( إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) أشركتموني تقرأ بالياء ،على القراءة البصرية .وما ،مصدرية .يعني: إني جحدت اليوم بإشراككم إياي مع الله في الدنيا .وبذلك يتبرأ إبليس من إشراكهم له في العبادة والطاعة ،ويستنكر كل ذلك منهم يوم القيامة .
قوله: ( إن الظالمين لهم عذاب أليم ) وهذا من كلام الله في الأظهر وقيل: إنه من بقية كلام إبليس .ومعناه: أن المشركين الجاحدين من التابعين الخاسرين والمتبوعين الأشقياء قد باءوا الآن جميعا بالعذاب الوجيع{[2391]} .