قوله تعالى:{وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كان لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ( 21 ) وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ( 22 )} ( وبرزوا ) ،من البروز وهو الخروج والظهور{[2388]} ؛أي برزت الخلائق كلها يوم القيامة ظاهرة مكشوفة لا يسترها شيء لتلاقي الحساب والجزاء .وإذ ذاك تقع المناظرة الكلامية بين التابعين الغاوين ،والمتبوعين المغوين المضلين وهم سادتهم وكبراؤهم الذين أضلوهم في الدنيا .
الأتباع الذين كانوا في الدنيا خائرين مستضعفين للسادة المجرمين يحدثون سادتهم يوم القيامة في توبيخ وعتاب لا يفضي إلا إلى التحسر والندامة والالتياع .ثم يرد عليهم المستكبرون المضلون في استيئاس مطبق وإحساس مفرط بالهوان والخسران .وفي ذلك يقول الله سبحانه: ( فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا ) التبع جمع تابع .فقد قال التابعون المستضعفون للمتبوعين المستكبرين: إنا كنا أتباعكم في الدنيا نأتمر بأمركم ونسير على خطاكم فنعبد الأوثان وننثني عن عبادة الله وحده وعن تصديق المرسلين ( فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ) أي فهل أنتم دافعون عنا بعض عذاب الله في هذا اليوم ؟( قالوا لو هدانا الله لهديناكم ) قال المتبوعون المستكبرون للتابعين الضعفاء: لو كنا مهديين في الدنيا لجعلناكم مثلنا في الهداية .
قوله: ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) الهمزة وأم ،للتسوية .ونظير ذلك قوله: ( فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم ) والجزع ،ضد الصبر{[2389]} والمحيص ،بمعنى المنجى والمهرب .والمعنى: أن أهل النار بعد أن يجزعوا جزعا بالغا فيفنى صبرهم ويستيئسوا أشد استيئاس يقول بعضهم لبعض في يأس مطبق وحسرة غامرة مريرة: مستو علينا الجزع والصبر ؛فنحن في كل الأحوال لابثون ماكثون في النار ليس لنا منها مفر ولا ملاذ .