ثم أخبر تعالى عن تخاصم المجرمين في المحشر وتبرئهم من بعضهم ،بقوله سبحانه:
[ 21]{ وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص 21} .
{ وبرزوا لله جميعا} أي:اجتمعوا لحسابه وقضائه يوم القيامة في براز من الأرض ،/ وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا ،أو برزوا من قبورهم أي:ظهروا لذلك{ فقال الضعفاء} وهم الأتباع{ للذين استكبروا} أي:على الرسل وهم قادتهمتوبيخا لهم{ إنا كنا لكم تبعا} أي:تابعين ،مهما أمرتمونا ائتمرنا{ فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء} أي:بعض الإغناء .{ قالوا} أي:المستكبرون{ لو هدانا الله لهديناكم} إحالة ،لضلالهم وإضلالهم ،على مقامه سبحانه ،أو لو هدانا باهتدائنا ،ولكن زغنا فأزاغنا كما قال تعالى{[5149]}:{ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}{ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} أي:منجى ومهرب من العذاب ،ونظير الآية قوله تعالى{[5150]}:{ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين} .
واستظهر ابن كثير هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها لآية{[5151]}:{ وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار} .
ولا يخفى أن الآية في هذه السورة تصدق بالتخاصم في الموقف وفي النار ،لإفادتها أن ذلك أثر بروزهم ،وهو صادق بما ذكرنا ،فلا قرينة فيها لكون ذلك في النار فقط ،كما ادّعاه .وربما كان قوله:{ وبرزوا} يدل للموقف بمعناه المتقدم .ثم إن هذا التخاصم يجوز أن يكون متعدد المواطن لظاهر قوله:{ عند ربهم} وقوله:{ في النار} .ويجوز أن يكون مرة واحدة .والمراد ب{ النار} العذاب .ووقوفهم عند ربهم ،واليأس محيط بهم ،وجهنم ترقبهم ،عذاب وأي عذاب !