قال أبو جعفر:يعني تعالى ذكره بقوله:( وبرزوا لله جميعًا ) ، وظهر هؤلاء الذين كفروا به يوم القيامة من قبورهم ، فصاروا بالبَراز من الأرض (4) (جميعًا) ، يعني كلهم (5) ( فقال الضعفاء للذين استكبروا ) ، يقول:فقال التُّبَّاع منهم للمتبوعين ، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم (6) ( إنَّا كنا لكم تَبَعًا ) ، في الدنيا .
* * *
و "التبع "جمع "تابع "، كما الغَيَب جمع "غائب ".
* * *
وإنما عنوا بقولهم:( إنا كنا لكم تبعًا ) ، أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر بالله ، وينتهون عما نهوهم عنه من اتّباع رسل الله ( فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ) ، يعنون:فهل أنتم دافعون عنَّا اليوم من عذاب الله من شيء. (7)
* * *
وكان ابن جريج يقول نحو ذلك:
20638 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله:( وقال الضعفاء ) ، قال:الأتباع ( للذين استكبروا ) ، قال:للقادة.
* * *
قوله:( لو هدانا الله لهديناكم ) ، يقول عز ذكره:قالت القادةُ على الكفر بالله لتُبَّاعها:( لو هدانا الله ) ، يعنون:لو بَيَّن الله لنا شيئًا ندفع به عَذَابَه عنا اليوم ( لهديناكم ) ، لبيَّنا ذلك لكم حتى تدفعوا العذابَ عن أنفسكم ، ولكنا قد جزعنا مِن العذاب ، فلم ينفعنا جزعُنا منه وصَبْرُنا عليه (8) ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) ، يعنون:ما لهم من مَراغٍ يرُوغون عنه . (9)
* * *
يقال منه:"حاص عن كذا "، إذا راغ عنه ، "يَحِيصُ حَيْصًا ، وحُيُوصًا وحَيَصَانًا ". (10)
* * *
20639 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عنالحكم ، عن عُمَر بن أبي ليلى ، أحد بني عامر ، قال:سمعت محمد بن كعب القرظي يقول:بلغني ، أو ذُكِر لي أن أهل النار قال بعضهم لبعضٍ:يا هؤلاء ، إنه قد نـزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون ، فهلمَّ فلنصبر ، فلعل الصَّبر ينفعنا ، كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا . قال:فيُجْمعون رأيهم على الصَّبر . قال ، فصبروا ، فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا:( سواءٌ علينا أجزِعْنَا أم صبرنَا ما لنا من محيص ) ، أي من منجًى. (11)
20640 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله:( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) ، قال:إن أهل النار قال بعضهم لبعض:تعالوا ، فإنما أدركَ أهل الجنة الجنَّةَ ببكائهم وتضرُّعهم إلى الله ، فتعالوا نبكي ونتضرع إلى الله ! قال:فبكوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا:تعالوا ، فإنَّما أدرك أهل الجنة الجنّةَ بالصبر ، (12) تعالوا نصبر ! فصبروا صبرًا لم يُرَ مثله ، فلم ينفعهم ذلك ، فعند ذلك قالوا:( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) .
----------------------------
الهوامش:
(4) انظر تفسير "برز "فيما سلف 5:354 / 7:324 / 8:562 .
(5) انظر تفسير "الجميع "فيما سلف 15:212 .
(6) انظر تفسير "الضعفاء "فيما سلف 14:419 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
وتفسير "الاستكبار "فيما سلف 15:155 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
(7) انظر تفسير "الإغناء "فيما سلف 166 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
(8) انظر تفسير "الهدى "فيما سلف من فهارس اللغة ( هدي ) .
(9) في المطبوعة:"مزاغ "، و "يزوغون "، و "زاغ "، كل ذلك بالزاي ، والذي في المخطوطة صواب محض .
(10) انظر تفسير "الحيص "فيما سلف 9:226 .
(11) الأثر:20639 - "الحكم "، هو "الحكم المكي "، شيخ لعبد الله بن المبارك توقف الإمام البخاري في أمره . وقال ابن أبي حاتم:هو مجهول . قال البخاري:"الحكم المكي ، عن عمر بن أبي ليلى ، سمع منه ابن المبارك ومحمد بن مقاتل . وروى مروان ، يعني ابن معاوية ، عن الحكم بن أبي خالد ، مولى بني فزارة ، عن عمر بن أبي ليلى . قال الحسن بن علي ، وعن الحكم بن أبي خالد ، عن الحسن ، عن جابر ، في الجنة ، فلا أدري هذا من ذاك ". وكأن هذا إشارة إلى هذا الخبر نفسه .
وذكر في ترجمة "الحكم بن ظهير الفزاري ":"حدثنا محمد بن عبد العزيز ، قال حدثنا مروان ، عن الحكم بن أبي خالد ، مولى بني فزارة ، عن عمر بن أبي ليلى النميري ... "، وقال مثل ما قال في ترجمة "الحكم المكي ". ثم ترجم "الحكم بن أبي خالد "، ولم يذكر فيه شيئًا من هذا .
وأما ابن أبي حاتم فاقتصر على ترجمة "الحكم المكي "، ولم يذكر فيه "الحكم بن أبي خالد ".
وقال ابن حجر في التهذيب:"قال ابن أبي خيثمة:سمعت يحيى بن معين يقول:كان مروان بن معاوية يغير الأسماء ، يعمي على الناس ، يقول:حدثنا الحكم بن أبي خالد ، وإنما هو الحكم بن ظهير ".
وانظر هذا الذي ذكرت في الكبير للبخاري 1/2/336 ، 339 ، 342 ، وابن أبي حاتم 1/2/131 ، وميزان الاعتدال 1:273 ، ولسان الميزان 2:341 ، وتهذيب التهذيب .
و "عمر بن أبي ليلي "، قال البخاري في الكبير 3/2/190:"روى عنه الحكم المكي ، وقال بعضهم:"عمر بن أبي ليلى ، أخو بني عامر ، سمع محمد بن كعب ، قوله ". وزاد البخارى في ترجمة "الحكم بن ظهير "في نسبته "النميري "، كما سلف قريبًا . وقال مثل ذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3/1/131 ، وزاد عن أبيه فقال:"سمعته يقول:هو مجهول "، وفي ميزان الاعتدال 2:268 قال:"قلت حدث عنه ابن أبي فديك والواقدي "، وزاد ابن حجر في لسان الميزان 4:224 قال:"وذكره ابن حبان في الثقات ".
وكان في المطبوعة:"عمرو بن أبي ليلى "، غير ما هو ثابت في المخطوطة على الصواب .
و "محمد بن كعب القرظي "، تابعي ثقة ، روى له الجماعة ، مضى مرارًا كثيرة لا تعد .
وهذا الخبر تالف ، لما علمت من أمر "الحكم المكي "وجهالته ، فإن كان هو "الحكم بن ظهير الفزاري "، فهو متروك كما سلف مرارًا كثيرة .
(12) تلعب الناشر بالكلام فجعله:"فما أدرك أهل الجنة الجنة إلا بالصبر "، فجعل "فإنما ""فما "ثم زاد "إلا "! فاعجب لما فعل .