قوله تعالى:{قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال} بعد أن ذكر الكافرين وتلبسهم بالشرك والجحود يأمر الله عقب ذلك عباده المؤمنين بالتزام الطاعة خالصة لوجهه .ويأتي في طليعة الطاعات لله جميعا هذان العمودان الأساسيان لدين الإسلام وهما: إقامة الصلاة ،وإيتاء الزكاة .وكذلك بذل المال في وجوه الخير والبر على سبيل الوجوب كإنفاقه على الأولاد والزوجات وأولي القربى من المعوزين والمحاويج .وعلى المؤمنين أن يحرصوا على ذلك من غير تفريط ولا تقصير من قبل أن تقوم الساعة .وحينئذ لا مكان للعمل وفعل الطاعات ،بل إن الوقت حينئذ وقت مساءلات وحساب وعقاب .
قوله: ( يقيموا الصلاة ) ( يقيموا ) مجزوم ؛لأنه جواب الطلب ( قل ) وقيل: جواب للأمر وهو ( أقيموا ) وتقديره: قل لهم أقيموا يقيموا .وقيل: مجزوم بلام مقدرة وتقديره: ليقيموا ،ثم حذف لام الأمر لتقدم لفظ الأمر{[2401]} .وكذلك قوله: ( وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ) المراد بالسر ما خفي .وبالعلانية ما ظهر .
وقيل: السر يراد به التطوع والعلانية يراد بها الفرض .والأظهر الأمر بإنفاق المال سرا في صدقة التطوع ،وإنفاقه جهرا في الزكاة المفروضة والنفقات مما لا يحتمل غير الإظهار والإعلان .فما كان من نفقة واجبة أو زكاة مفروضة لا سبيل إلى كتمها أو إخفائها .يضاف إلى ذلك قصد التحضيض للآخرين على أداء زكواتهم والإنفاق على من يعولون .
قوله: ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ) أي أدركوا أنفسكم بفعل الطاعات ،وبادروا لعمل الحسنات والصالحات قبل أن تدهمكم قارعة الفزع الأكبر حين تقوم القيامة .وحينئذ لا بيع ولا شراء ولا غير ذلك مما اعتاد الناس فعله في دنياهم ؛بل إن الساعة إذ ذاك ساعة مندم وأهوال وحسرات .وقيل: بيع بمعنى فدية ؛أي لا لأحد أن يفتدي نفسه بالمال يوم القيامة لينجو بنفسه مما يواجهه من سوء الحساب .قوله: ( ولا خلال ) أي مخالَّة .وهو مصدر خاللته .وقيل: جمع خليل ،كأخلاء وأخلة والمقصود هنا نفي أن يكون ثمة خليل ينتفع به فيشفع له أو يدفع عنه البلاء المنتظر{[2402]} .