{ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ( 31 )} .
الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم في مقابل الأمر للكافرين بأن يمتعوا بالعاجلة ، فالآجلة مصيرهم فيها إلى النار ، والأمر للمؤمنين هو أمر بثمرات إيمانهم ، وعبر عن المؤمنين ب ( عبادي ) للإشارة إلى أنهم قاموا بحق العبودية ، فلم يشركوا مع الله أحدا ، وأخلصوا الذات ، وأعطوا ما هو على العبد أن يؤذيه .
{ يقيموا الصلاة} ، ( أن ) هنا محذوفة وهي تفسيرية تفسر مضمون القول ، قل لهم أن يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقنهم سرا وعلانية .
أو نقول:"إن قوله تعالى:{ يقيموا} خبرية على أنها جواب الأمر ، أي قل لهم تكليفات الله ليقيموا الصلاة ، ويرى الزمخشري أن تكون{ يقيموا} بمعنى لقيموا الصلاة ، والمعنى على ذلك قل لهم مبينا أحكام الشريعة وهديها ، وخص الصلاة والزكاة أي الإنفاق ؛ لأن الصلاة لتهذيب وإقامتها استشعار للربوبية ، وهي عمود الدين ، ولا دين من غير صلاة ، والزكاة – أو الإنفاق – فيها التعاون ؛ ولذا تسمى "الماعون"، كما قال تعالى:{ فويل للمصلين ( 4 ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( 5 ) الذين هم يراءون ( 6 ) ويمنعون الماعون ( 7 )} [ الماعون] .
الإنفاق في السر سترا للمتجملين من الفقراء أحسن في ذاته ، والإنفاق علانية للافتداء ونشر التعاون ، وكل في موضعه حسن .
{ من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال} ليتدارك التقصير بتعويض يقدمه أو فدية يغتدي بها نفسه ، ولا مخالة وصداقة ينقذ بها الصديق صديقه ، والرفيق رفيقه ، وقد قال تعالى في هذا المعنى:{ واتفقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ( 48 )} [ البقرة] .
والسرية تحسن في حالة التطوع ، وإيثار ذوي القربى والجيران سترا عليهم ، والإعلان يكون في الواجب ، وهنا يرد سؤال ، إن الزكاة لم تجب إلا في المدينة ، والسورة مكية ، كما هو معلوم ، فكيف يجب الإنفاق ؟ ونقول:إن وجوب الإعطاء هو من قبيل معاونة المؤمنين من الضعفاء والأرقاء على الصبر على الأذى يؤذيهم به المشركون لإخراجهم من دينهم ، وإنه دعى إلى الزكاة في سورة مكية ، منها قوله تعالى في سور الروم:{ وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ( 39 )} [ الروم] .
وقبل أن ننتقل هذه الآية الكريمة إلى ما بعدها نذكر كلاما قيما ذكره الزمخشري في حكمة اقتران قوله:{ من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال} ، قال أثابه الله تعالى:"فإن قلت كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال ؟ قلت:من قبل أن الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات ، فيعطون بدلا ليأخذوا مثله وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستجروا بهداياهم أمثالها أو خيرا منها ، وأما الإنفاق لوجه الله خالصا كقوله:{ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( 19 ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 )}"[ الليل] ، فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص فينفقوا منه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال ، أي لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة ، ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات ، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى"{[1375]} .
وإن هذه إشارة بيانية قويمة تشير إلى أن الإنفاق سرا وعلانية المطلوب هو لوجه الله تعالى ، لا للكسب بمعاوضة ولا للكسب بإرضاء صديق أو رجاء في شدة .
وفي قوله تعالى:{ من قبل أن يأتي . . .} إشارة إلى أن الإنفاق لوجه الله تعالى هو ذكر لله تعالى ، فليس من التجارة التي قال الله تعالى فيها:{. . .لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله . . .( 9 )} [ المنافقون] ، ولا التجارة التي ذم بها المنافقون في قوله تعالى:{ وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ( 11 )} [ الجمعة] .