وقد ذكر سبحانه بعض نعمه فقال:
{ الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار ( 32 )} .
ذكر سبحانه وتعالى أن المشركين بدلوا نعمة الله كفرا وجعلوا لله أندادا من حجارة وجعلوها آلهة ، وفي هذه الآية يذكر بعض نعمه على الوجود كله فقال تعالت كلماته:{ الله الذي خلق السموات والأرض} صدر الآية الكريمة بلفظ الجلالة مفيض النعم ، لتربية المهابة ، ولمقابلة عبادته ، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد ، بعبادة الأوهام والضلال ، و{ الله} لفظ الجلالة:مبتدأ ، والموصول هو خبره ، فهو تعريف لله تعالى بأنه الذي خلق السموات والأرض ، خلق سبحانه وتعالى السماء ببروجها ونجومها وكواكبها ، والأرض بطبقاتها وجبالها وما أودع ببطنها من أحجار وفلزات ومعادن جامدة وسائلة ، اقرأ قوله تعالى:{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ( 6 ) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل وزج بهيج ( 7 ) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ( 8 ) ونزلنا من السماء ماء مباركا به جنات وحب الحصيد ( 9 ) والنخل باسقات لها طلع نضيد ( 10 ) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ( 11 )} [ ق] .
هذا هو الإله القادر القاهر الغالب ، وهو الجدير بأن يعبد لما أنشأ وأبدع وأنعم . ثم ذكر نعمته في تلاقي السماء بالأرض يجمع بينهما الذي يسقى الأنفس والثمرات ؛ ولذا قال تعالى:{ وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به من الثمرات رزقا لكم} أفرد السماء هنا وجمع السموات في الخلق ؛ لأن الماء ينزل من المزن السحاب الثقال المملوءة ماء وسميت سحابا ؛ لأنها فوق الأرض التي تمطرها ، أما السموات فتحيط بالأرض كأنها الشيء الصغير قبة ، وإن هذا الماء هو الذي تخرج منه الثمرات ؛ ولذا قال:{ فأخرج به من الثمرات} ، والثمرات جمع ثمرة وهو ما تنتجه الأرض من زروع وغراس وكروم ، ونخيل ، ومن الثمرات تكون المطاعم والملابس والمساكن اليدوية والأخشاب وغير ذلك ( رزقا ) بمعنى مرزوق كمطحن بمعنى مطحون ، أي أنه يرزقكم إياه ويجئ إليكم سهلا بغير مشقة إلا العمل الذي يكون سببا مقترنا بالعطاء وليس منشئا له ، فالله هو الرزاق ذو القوى المتين .
و{ من} في قوله:{ من الثمرات} بيانية لتنوعها ، والمعنى فأخرج من الثمرات المتنوعة المختلفة الفوائد التي ترجع بأحسن الفوائد .
وإن هذه الثمرات تنقل من أرض إلى أرض ، وإنه ثبت الآن أن خير السبل البحار وما كان ذلك معروفا عند العرب ، بل النقل عند العرب كان بالجمال التي كانت تسمى أو سميت سفن الصحراء ، ولكن القرآن أنزل من حميد يعلم ما كان وما يكون ، فهو يعلم أنه سيكون زمن يكون النقل بالبحار في جله ، وفي الأرض في قله ؛ ولذا قال عز من قائل:{ وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره} ومعنى سخرها مكن الإنسان من صناعتها واستخدامها وجعلها تعلو في البحر سائرة من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق ، حاملة خيرات وفيرة من أرض إلى أرض أخرى ، هذه الخيرات كثيرة ، وبذلك تكون الخيرات موزعة في الأرض بالقسطاس لولا ظلم الإنسان .
{ وسخر لكم الأنهار} وهي المجاري العذبة كنهر النيل ودجلة والفرات وسيحون وجيحون ، ومعنى سخرها سهلها وتكون في البلاد التي تقل أمطارها ، ولا يكفي ما تنزل السماء من ماء لسقيها وزرعها ، وسمى النهر نهرا لأنه ينهرها ويشقها ويجري فيها ، والأنهار الكبار تمخر فيها السفن كالبحار ، والله هو الرزاق .