ينفتح التصوّر الإنساني على آيات عظمة الله في الكون ،ومواقع قدرته ،وحركة نعمته ،من خلال ما يشاهده الإنسان ببصره ،ويعيشه في وجوده ،ويلتقي به في كل مفردات حياته ،وذلك بانفتاحه على التربية القرآنية التي تدعو الإنسان إلى الالتقاء بالله في طاعته ،من خلال تربية الإحساس بعظمة الله في نفسه ،لتتحرك الطاعة من أعماق الذات ،لا من خارجها ،ولتلتقي الحركة السائرة نحو الهدف بالقاعدة الروحية في خط مستقيم لا التواء فيه ولا انحراف .
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ} بما فيها من أكوان وخلائق ونظمٍ وأوضاع تنطلق فيها النعمة من مواقع القدرة ،{وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً} أودعه على سطح الأرض وفي عمقها ،فأبدع فيها قدرة الخصب والنموّ ،وشق داخل الحبة والنواة سرّ الثمرة والشجرة ،{فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ} ،تأكلونه أو تلبسونه أو تستمتعون به ،ولولا ذلك لما أمكن للحياة أن تنمو في داخل أجسادكم ،وللقوّة أن تتحرك في وجودكم ،{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْريَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} بما أودعه في أجواء البحر من نُظُم وأوضاعٍ تسمح للسفن أن تبلغ أهدافها من خلاله ،{وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ} التي تتدفق من الينابيع الكامنة في أعماق الأرض ،ومن الثلوج المتفجّرة من قمم الجبال ،فتتحول إلى حركةٍ متدفقةٍ تبعث الخير والخصب والنماء في كل أرضٍ تمر عليها ،وتشكل للإنسان وللحيوان شريان الحياة الذي تنطلق منه وتتحرك من خلاله ،