قوله تعالى:{وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( 12 ) وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ( 13 )} .
الليل والنهار آيتان من آيات الله ،جعلهما متعاقبين خلفه ؛إذ يخلف أحدهما الآخر .وقد ذللهما الله لبني آدم أيما تذليل لكي يستفيدوا من طبيعتهما وتعاقبهما ؛فقد جعل الله الليل فيه منام للعباد ؛إذ يرقدون فيه ويهجعون .وجعل النهار من أجل السعي والكد والبذل في نشاط وجد .ففيه تتحقق المصالح ،وتندرئ المضار ،ويتعهد الناس أسباب المعاش والمكاسب من تجارة وصناعة وزراعة وغير ذلك .
قوله: ( والشمس والقمر ) وهذان كذلك آيتان عظيمتان من آيات الله الكبريات الباهرات مما يستديم العجب من هذين الجرمين في عظيم خلقتهما وعجيب منظرهما ؛ففي الشمس دفء وحرارة وحياة للآدميين وكل الخلائق .وفي القمر نور وضياء تبتهج به النفس أشد ابتهاج وتجد من حلاوة الصورة والمنظر ما يستنفر في النفس الخيال ويهيج فيها الحس ،فيظل الناظر متمليا محبورا ،فضلا عما يناط بالقمر من مزية التوازن مع الأرض بفعل الجاذبية المشتركة بينهما ،وبفعل الدوران المنتظم للقمر من حول الشمس .ولولا وجود القمر في مكانه المناسب المقدور لاضطراب وجه الأرض وماد .
قوله: ( والنجوم مسخرات بأمره ) الواو للاستئناف .والنجوم ،مبتدأ ،وخبره ( مسخرات )؛أي أن سائر النجوم في حركاتها وسطوعها ودورانها في أفلاكها وكل أحوالها مسخرات لما خلقها الله له .وذلك بقدرته وتدبيره وحكمته سبحانه .
قوله: ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) الإشارة عائدة إلى تسخير ما بينه الله من الخلائق المسخرة ؛فإن في هذا التسخير لدلالات كبيرة على أن الله هو الخالق الصانع ؛وأنه المقدر الحكيم .قوله: ( لقوم يعقلون ) أي للمتفكرين أولي النهي والأبصار الذين يتدبرون ما خلق الله من عجيب مخلوقاته .