قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سخر لخلقه خمسة أشياء عظام ،فيها من عظيم نعمته ما لا يعلمه إلا هو ،وفيها الدلالات الواضحات لأهل العقول على أنه الواحد المستحق لأن يعبد وحده .
والخمسة المذكورة هي: الليل ،والنهار ،والشمس ،والقمر ،والنجوم .
وكرر في القرآن ذكر إنعامه بتسخير هذه الأشياء ،وأنها من أعظم أدلة وحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده ؛كقوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [ الأعراف:54] وإغشاؤه الليل النهار: هو تسخيرهما ،وقوله:{وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [ إبراهيم: 33] الآية ،وقوله:{وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ}[ يس: 37-39] ،وقوله:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} [ الملك: 5] الآية ،وقوله:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [ النحل: 16] إلى غير ذلك من الآيات .وفي هذه الآية الكريمة ثلاث قراءات سبعيات في الأسماء الأربعة الأخيرة ،التي هي الشمس ،والقمر ،والنجوم ،ومسخرات ؛فقرأ بنصبها كلها نافع ،وابن كثير ،وأبو عمرو ،وحمزة ،والكسائي ،وعاصم في رواية شعبة .وقرأ برفع الأسماء الأربعة ابن عامر ،على أن{وَالشَّمْسَ} مبتدأ وما بعده معطوف عليه و{مُسَخَّرَاتٌ} خبر المبتدأ .وقرأ حفص عن عاصم بنصب{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} عطفاً على{الَّيْلَ وَالْنَّهَارَ} ورفع{وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} على أنه مبتدأ وخبر .وأظهر أوجه الإعراب في قوله{مُسَخَّرَاتٌ} على قراءة النصب أنها حال مؤكدة لعاملها .والتسخير في اللغة: التذليل .